للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدى الحِيتانِ مِن ذنوبِ القومِ وما بعدَها مِن ذنوبهم. فإنه أبْعَدَ في الانْتِزاعِ؛ وذلك أن الحِيتانَ لم يَجْرِ لها ذكرٌ فيُقالَ: ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك جائزٌ وإن لم يكنْ جرَى للحيتانِ ذكرٌ؛ لأن العربَ قد تَكْنِى عن الاسمِ ولم يَجْرِ له ذكرٌ، فإن ذلك وإن كان كذلك، فغيرُ جائزٍ أن يُتْرَكَ المفهومُ مِن ظاهرِ الكتابِ -والمعقولُ به ظاهرٌ في الخطابِ والتنزيلِ- إلى باطنٍ لا دلالةَ عليه مِن ظاهرِ التنزيلِ، ولا خبرٍ عن الرسولِ منقولٍ، ولا فيه مِن الحجةِ إجماعٌ مُسْتَفِيضٌ.

وأما تأويلُ مَن تأوَّل ذلك: لما بينَ يديها مِن القُرَى، وما خلفَها. فَيُنْظَرُ إلى تأويلِ مَن تأوَّل ذلك: بما بينَ يدى الحِيتانِ وما خلفَها.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَمَوْعِظَةً﴾.

والموعظةُ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: وعَظْتُ الرجلَ أَعِظُه وَعْظًا ومَوْعِظةً. إذا ذكَّرْتَه.

فتأويلُ الآيةِ: فجعَلْناها نَكالًا لمَا بينَ يديها وما خلفَها وتَذْكِرةً للمتقين، لِيَتَّعِظوا بها ويَعْتَبِرُوا ويَتَذَكَّروا بها.

كما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَمَوْعِظَةً﴾. يقولُ: وتذكرةَ وعِبْرةً للمتقين (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)﴾.

وأما المُتَّقُون فهم الذين اتَّقَوْا بأداءِ فرائضِه واجْتِنابِ مَعاصِيه.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٧٦ إلى المصنف.