للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولُه إلى خلقِه، مفروضةٌ طاعتُه - إلا كمن مضَى من أسلافِهم الذين كانوا يقتُلون أنبياءَ اللَّهِ، بعدَ قطعِ اللَّهِ عذرَهم بالحججِ التي أيَّدهم بها، والأدلةِ التي أبان صدقَهم بها، افتراءً على اللَّهِ، واستخفافًا بحقوقِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)﴾.

وهذا تعزيةٌ من اللَّهِ جلَّ ثناؤُه نبيَّه محمدًا على الأَذَى الذي كان ينالُه من اليهودِ وأهلِ الشركِ باللَّهِ، من سائرِ أهلِ المللِ، يقولُ اللَّهُ تعالى له: لا يحزُنْك يا محمدُ كَذِبُ هؤلاء الذين قالوا: إن اللَّهَ فقيرٌ. وقالوا: إن اللَّهَ عهِد إلينا ألا نؤمنَ لرسولٍ حتى يأتينَا بقُرْبانٍ تأكُلُه النارُ. وافتراؤُهم على ربِّهم؛ اغترارًا بإمهالِ اللَّهِ إيَّاهم، ولا يعظُمَنَّ عليك تكذيبُهم إيَّاك، وادعاؤُهم الأباطيلَ، من عهودِ اللَّهِ إليهم، فإنهم إن فعَلوا ذلك بك فكذَّبوك، وكذَبوا على اللَّهِ، فقد كَذَّب أسلافُهم من رسلِ اللَّهِ قبلَك مَن جاءهم بالحججِ القاطعةِ العذرَ، والأدلةِ الباهرةِ العقلَ، والآياتِ المعجزةِ الخلقَ، وذلك هو البيِّناتُ.

وأما "الزُّبُرُ" فإنه جمعُ زَبورٍ، وهو الكتابُ، وكلُّ كتابٍ فهو زَبورٌ، ومنه قولُ امرئ القَيْسِ (١).

لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرتُه فَشَجَانِي … كخطِّ زَبورٍ في عَسِيبِ (٢) يَمَانِ

ويعنى بالكتابِ التوراةَ والإنجيلَ، وذلك أن اليهودَ كذَّبت عيسى وما جاء به، وحرَّفت ما جاء به موسى، من صفةِ محمدٍ ، وبدَّلت عهدَه إليهم فيه،


(١) ديوانه ص ٨٥.
(٢) العسيب: جريدة النخل، إذا نحى عنه خوصه، كانوا يكتبون فيه قبل الإسلام.