للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)﴾.

يقول تعالى ذكره: قال إبليس: ربِّ فإذ أخرجتنى مِن السماواتِ ولعَنتنى، فأَخِّرْنى إلى يومِ تَبْعَثُ خلقَك مِن قبورهم، فتَحْشُرُهم لموقف القيامة.

قال الله له: فإنك ممن أُخر هلاكه إلى يوم الوقت المعلوم لهلاك جميع خلقى، وذلك حين لا يبقى على الأرضِ مِن بنى آدمَ دَيَّارٌ (١).

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾.

يقول تعالى ذكره: قال إبليس: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾؛ باغوائِكَ، ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾. وكأن قوله: ﴿بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾. خرج مخرَجَ القَسَمِ، كما يقال: بالله، أو بعزة الله، لأُغوِيَنَّهم.

وعنى بقوله: ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾: لأُحَسِّنن لهم معاصيك، ولأُحبِّبنَّها إليهم في الأرضِ، ﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. يقولُ: ولأَضِلَّنَّهم عن سبيل الرشادِ.

﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾. يقولُ: إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لى عليه ولا طاقة لى به.

وقد قُرِئَ: (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخلِصِينَ) (٢). فمَن قرأ ذلك كذلك، فإنه يَعْنى به: إلا مَن أخلَص طاعتك، فإنه لا سبيل لى عليه.


(١) ديار: أحد، ولا يستعمل إلا في النفي. اللسان (دور).
(٢) هي قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص ٣٤٨.