للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنه إظهارُ الاسمِ الذى حظُّه الكنايةُ عنه.

والأمرُ فى ذلك بخلافِ ما قال؛ وذلك أن الغرابَ الثانىَ لو كان مَكْنيًّا عنه لما التبسَ على أحدٍ يعقِلُ كلامَ العربِ أنه كنايةُ اسمِ الغرابِ الأولِ؛ إذ كان لا شيءَ قبلَه يحتملُ الكلامُ أن يوجَّهَ إليه غيرُ كنايةِ اسمِ الغرابِ الأولِ، وأنَّ قبلَ (١) قولِه: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾. أسماءً (٢) لو جاء اسمُ اللهِ تعالى ذكرُه مكنيًّا عنه، لم يُعْلَمْ مَن المقصودُ إليه بكنايةِ الاسمِ إلا بتوقيفٍ مِن حجةٍ، فلذلك اختَلف أمراهما.

القولُ فى تأويلِ قولِه: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾.

يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾. أى: أنزَلنا إليك يا محمدُ علاماتٍ واضحاتٍ دالَّاتٍ على نُبوَّتِك، وتلك الآياتُ هى ما حَواه كتابُ اللهِ الذى أنزَله إلى محمدٍ مِن خَفايا علومِ اليهودِ، ومَكنونِ سرائرِ [أخبارِهم وأخبارِ] (٣) أوائِلهم مِن بنى إسرائيلَ، والنبأِ عما تضمَّنتْه كتبُهم التى لم يكنْ يعلمُها إلا أحبارُهم وعلماؤُهم، وما حرَّفه أوائلُهم وأواخرُهم وبدَّلوه مِن أحكامِهم التى كانت فى التوراةِ، فأطلَع اللهُ تعالى ذكرُه فى كتابِه الذى أنزَله إلى نبيِّه محمدٍ ، فكان فى ذلك مِن أمرِه الآياتُ البيناتُ لمَن أنصَف نفسَه، ولم يدْعُه إلى إهلاكِها الحسدُ والبغىُ؛ إذ كان فى فطرةِ كلِّ ذى فِطرةٍ صحيحةٍ تصديقُ مَن أتَى بمثلِ الذى أتَى به محمدٌ مِن الآياتِ البيناتِ التى وصفتُ، عن غيرِ تعلُّمٍ تعلَّمه مِن بشرىٍّ (٤)، ولا أخْذِ شيءٍ منه عن آدمىٍّ.

وبنحوِ الذى قلنا فى ذلك رُوِى الخبرُ عن ابنِ عباسٍ.


(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قيل".
(٢) فى م: "اسما".
(٣) فى الأصل: "أحبارهم وأحبار".
(٤) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بشر".