للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هم عليه من الشرك على شكٍّ، وعلى غير بصيرةٍ. وقال جلَّ وعزَّ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ﴾. فأخرَج ذكرَهم مُخرجَ ذكرِ الجميعِ، وإنما ذكَر قبلُ واحدًا فقال: ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾؛ لأنَّ الشيطانَ وإن كان لفظُه واحدًا، ففى معنى جمعٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)﴾.

اختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا﴾؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ الحجازِ سِوى ابن مُحَيْصِنٍ، وبعضُ الكوفيِّين وبعضُ الشاميِّين: (حتى إذَا جاءانا) (١) على التثنيةِ، بمعنى: حتى إذا جاءانا هذا الذي عَشِيَ عن ذكر الرحمنِ، وقرينُه الذي قُيِّضَ له من الشياطينِ. وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ وابنُ مُحيْصِنٍ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا﴾ (٢) على التوحيدِ، بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشِي مِن بنى آدمَ عن ذكرِ الرحمنِ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أنهما قراءتان مُتقاربتا المعنى، وذلك أن في خبرِ اللَّهِ عن حالِ أحدِ الفريقَين عندَ مَقْدَمِه عليه، فيما اقترنا (٣) فيه في الدنيا، الكفايةَ للسامعِ عن خبرِ الآخرِ، إذ كان الخبرُ عن حالِ أحدهما معلومًا به خبرُ حالِ الآخرِ، وهما مع ذلك قراءتان مُسْتفيضتان في قرأةِ الأمصارِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.


(١) هي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي بكر عن عاصم وأبي جعفر. ينظر السبعة ص ٥٨٦.
(٢) هي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم. ينظر السبعة ص ٥٨٦. وقراءة ابن محيصن كما في البحر المحيط ٨/ ١٦. وفى الإتحاف ص ٢٣٨ أن ابن محيصن قرأ: (جاءانا). بخلاف ما ههنا.
(٣) في ص، م، ت ١: "أقرنا".