للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا [ابن حميدٍ، قال: ثنا] (١) جريرٌ، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ، قال: ذهَب جُنْدَبُ البَجَليُّ إلى كعبِ الأحبارِ، فقدِم عليه، ثم رجَع، فقال له عبدُ اللَّهِ: حدِّثْنا ما حدَّثَك. فقال: حدَّثني أن السماءَ في قُطْبٍ كقُطْبِ الرَّحَى، والقُطْبُ عمودٌ على مَنْكِبِ مَلَكٍ. قال عبدُ اللهِ: لودِدْتُ أنك افْتَدَيْتَ رحلتَك (٢) بمثلِ راحلتِك. ثم قال: ما سكَنتِ (٣) اليهوديةُ في قلبِ عبدٍ، فكادَت أن تُفارِقَه. ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾، وكفَى بها زوالًا أن تَدورَ (٤).

وقولُه: ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن الله كان ﴿حَلِيمًا﴾ عمَّن أَشْرَك وكفَر به مِن خلقِه، في تركِه تعجيلَ عذابِه له، ﴿غَفُورًا﴾ لذنوبِ مَن تاب منهم وأناب إلى الإيمانِ به والعملِ بما يُرْضِيه.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (٤٣)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: وأَقْسَم هؤلاء المشركون باللهِ ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾. يقولُ: أشدَّ الأيْمانِ، فبالَغوا فيها، لئن جاءهم مِن اللهِ مُنْذِرٌ يُنذِرُهم بأسَ اللهِ، ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾. يقولُ: ليَكونُنَّ أسلكَ لطريقِ الحقِّ، وأشدَّ قَبولًا لما يَأْتيهم به النذيرُ مِن عندِ اللهِ، مِن إحدى الأممِ التي قد خلَت قبلَهم، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾. يعنى بالنذيرِ محمدًا ، يقولُ: فلما جاءهم


(١) سقط من: م.
(٢) في الأصل: "حينئذٍ". وينظر الأثر المتقدم.
(٣) في م: "تنتكت". وفى ت ١، ت ٢، ت ٣: "تنتكب".
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره ٥/ ٥٤٤ عن المصنف.