للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قوله ﷿: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وإن تَعُدُّوا، أيها الناسُ، نعمةَ اللهِ التي أَنْعَمَها عليكم، لا تُطِيقوا إحصاءَ عددِها، والقيامَ بشكرِها، إلا بعونِ اللهِ لكم عليها، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. يقولُ: إن الإنسانَ الذي بدَّل نعمةَ اللهِ كفرًا ﴿لَظَلُومٌ﴾. يقولُ: لشاكرٌ غيرَ مَن أَنْعَم عليه، فهو بذلك - من فعله -، واضعٌ الشكرَ في غيرِ موضعِه، وذلك أن الله هو الذي أنْعَم عليه بما أَنْعَم، واسْتَحَقَّ عليه إخلاصَ العبادةِ له، فعبَد غيرَه، وجعَل له أندادًا ليُضِلَّ عن سبيلِه، وذلك هو ظلمُه.

وقولُه: ﴿كَفَّارٌ﴾. يقولُ: هو جَحودٌ نعمةَ اللهِ التي أنْعَم بها عليه؛ لصرفِه العبادةَ إلى غيرِ مَن أَنْعَم عليه، وتركِه طاعةَ مَن أَنْعَم عليه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: ثنا مِسْعَرٌ، عن سعدِ بن إبراهيمَ، عن طَلْقِ بن حَبيبٍ، قال: إن حقَّ اللهِ أَثقلُ مِن أَن يَقومَ به العبادُ، وإِنَّ نعمَ اللهِ أكثرُ مِن أن يُحْصِيَها العبادُ، ولكن أَصْبِحوا تَوَّابِين، وأمْسُوا توابين (١).

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: واذْكُرْ يا محمدُ ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾: يعنى الحرمَ، بلدًا آمنًا أهلُه وسكانُه، ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ


(١) أخرجه البيهقى في الشعب (٤٥٢٢) من طريق يزيد بن هارون به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٨٥ إلى ابن أبي شيبة.