للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد مماتِكم، مع علمِكم بما تقولونَ من عظيمِ سلطانِه وقدرتِه.

وكان ابن عباسٍ فيما ذُكِر عنه يقولُ في معنى قولِه: ﴿تُسْحَرُونَ﴾ ما حدَّثني به عليٌّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾. يقولُ: تكذِّبون (١).

وقد بيَّنتُ فيما مضَى "السِّحْرَ"، وأنَّه تخييلُ الشيءِ إلى الناظرِ أنَّه على خلافِ ما هو به من هيئتِه (٢)، فذلك معنى قولِه: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾. إنما معناه: فمن أيِّ وجهٍ يُخَيَّلُ إليكم الكذبُ حقًّا، والفاسدُ صحيحًا، فتُصرَفونَ عن الإقرارِ بالحقِّ الذي يدعوكم إليه رسولُنا محمدٌ ؟

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)﴾.

يقولُ: ما الأمرُ كما يزعُمُ هؤلاء المشركون باللهِ؛ من أَنَّ الملائكةَ بناتُ اللهِ، وأنَّ الآلهة والأصنامَ لهم إلهٌ (٣) دونَ اللهِ، ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾: اليقينِ، وهو الدينُ الذي ابتعثَ اللهُ به نبيَّه ، وذلك الإسلام، ولا يُعْبَدُ شَيءٌ سوى اللهِ؛ لأنَّه لا إِلَهَ غيرُه، ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. يقولُ: وإنَّ المشركين لكاذبون فيما يُضيفون إلى اللهِ، ويَنْحُلُونه من الولدِ والشريكِ.

وقولُه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ما للهِ من ولدٍ، ولا كانَ معه في القديمِ، ولا حينَ ابتدَعَ الأشياءَ، [مَنْ تصلُحُ] (٤) عبادتُه، ولو كانَ معه


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان ٢/ ٣١ - من طريق أبي صالح به.
(٢) ينظر ما تقدم في ٢/ ٣٥٠ وما بعدها.
(٣) في م، ت ٢، ف: "آلهة".
(٤) في ت ٢: "ممن يصلح".