للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكَرْنا أقوالَ أهلِ التأويلِ في معنى قوله: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ [الرحمن: ٤٦]. فيما مضى، بما أغْنى عن إعادته في هذا الموضعِ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكره لنبيِّه محمدٍ : يسألُك يا محمد هؤلاء المكذِّبون بالبعثِ عن الساعةِ التي يُبْعَثُ فيها الموتى مِن قبورهم أيَّان مُرْساها، متى قيامُها وظهورُها.

وكان الفرَّاءُ يقولُ (٢): إنْ قال القائلُ: إنما الإرساءُ للسفينةِ والجبالِ الراسيةِ وما أشبَههنَّ، فكيف وُصِفت الساعةُ بالإرْساء؟. قلتُ: هي بمنزلة السفينة إذا كانت جاريةً فرَسَت، ورسوُّها قيامُها. قال: وليس قيامُها كقيامِ القائمِ، إنما هي كقولِك: قد قام العدْلُ، وقام الحقُّ. أي: ظهَر وثبت.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ اللهُ لنبيِّه: ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾. يقولُ: في أيِّ شيءٍ أنت مِن ذكر الساعةِ والبحثِ عن شأنِها.

وذُكِر أنَّ رسولَ الله ما كان يُكْثِرُ ذكر الساعةِ، حتى نزَلت هذه الآيةُ حدَّثني يعقوبُ بن إبراهيمَ، قال: ثنا سفيانُ بنُ عيينةَ، عن الزهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ، قالت: لم يزَلِ النبيُّ يسألُ عن الساعةِ، حتى أنزَل اللهُ ﷿: ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ (٣)


(١) ينظر ما تقدم في ٢٢/ ٢٣٥ - ٢٣٩.
(٢) في معاني القرآن ٣/ ٢٣٤.
(٣) أخرجه البزار (٢٢٧٩ - كشف)، وأبو نعيم ٧/ ٣١٤ من طريق يعقوب به، وأخرجه ابن مردويه في تفسيره - كما في تخريج الكشاف للزيلعي ٤/ ١٥١ - والحاكم ٢/ ٥١٣، والخطيب في تاريخه ١١/ ٣٢١.