للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكره: ووَصَّيْنا الإنسانَ فيما أنزَلْنا إلى رسولِنا بوالديه، أن يفعلَ بهما حُسْنًا.

واختَلَف أهلُ العربيةِ فى وَجْهِ نَصْبِ "الحُسْنِ"؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: نُصِب ذلك على (١) نِيَّةِ تكْريرِ "وصينا". وكأن معنى الكلامِ عندَه: ووصَّيْنا الإنسانَ بوالدَيه، وصَّيناه (٢) حُسْنًا. وقال: قد يقولُ الرجلُ: وصَّيتُه خيرًا. أى: بخيرٍ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: معنى ذلك: ووصَّيْنا الإنسانَ أن يفعلَ حُسْنًا. ولكن العربَ تُسْقِطُ من الكلامِ بعضَه، إذا كان فيما بَقِى الدلالةُ على ما سقَط، وتُعمِلُ ما بَقِى فيما كان يَعْمَلُ فيه المحذوفُ، فنُصِب قولُه: ﴿حُسْنًا﴾، وإن كان المعنى ما وصفتُ "وَصَّينا"؛ لأنه قد نابَ عن الساقطِ. وأنشَد في ذلك (٣):

عَجِبْتُ مِن دَهْمَاءَ إِذ تَشْكُونا

ومن أبي دَهْمَاءَ إِذْ يُوصِينا

خَيْرًا بها كأنَّنا جافُونا

وقال: معنى قولِه: يُوصِينا خيرًا: أن نفعلَ بها خيرًا. فاكْتَفَى بـ "يوصِينا" منه. وقال: ذلك نحوُ قولِه: ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا﴾ [ص: ٣٣]. أى: يَمْسَحُ مَسْحًا.

وقولُه: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾.


(١) بعده في ت ٢: "وجه".
(٢) في ص، م، ت ١، ف: "ووصينا".
(٣) تقدم في ١٤/ ٥٤٢، ٥٤٣.