وقولُه: ﴿مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ﴾. يقولُ: من هؤلاءِ القوم الذين وصفهم الله مِن بني إسرائيلَ - ﴿الصَّالِحُونَ﴾. يعنى: مَن يؤمن بالله ورسله، ﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾. يعنى: دونَ الصَّالحِ.
وإنَّما وصفهم الله جلَّ ثناؤُه بأنهم كانوا كذلك قبلَ ارتدادهم عن دينِهم، وقبلَ كفرهم بربِّهم، وذلك قبل أن يُبعث فيهم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه.
وقوله: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. يقول: واختبرناهم بالرَّخاء في العيش، والخفضِ في الدنيا، والدَّعَةِ والسَّعة في الرزقِ، وهى الحسنات التي ذكرها جل ثناؤه. ويعنى بـ ﴿وَالسَّيِّئَاتِ﴾: الشدّة في العيش، والشَّظَفَ فيه، والمصائبَ والرزايا في الأموالِ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. يقولُ: ليرجعوا إلى طاعة ربِّهم، ويُنيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.
يقول تعالى ذكرُه: فخلف من بعدِ هؤلاء القوم الذين وصف صِفَتَهم - ﴿خَلْفٌ﴾ يعني: خَلْفُ سَوْءٍ. يقولُ: حدَثَ بعدهم وخِلافَهم، وتبدَّل منهم بَدَلُ سَوْءٍ.
يقال منه: هو خَلَفُ صِدْقٍ، وخَلْفُ سَوْءٍ. وأكثر ما جاء في المدح بفتحِ اللامِ، وفي الذمِّ بتسكينِها، وقد تُحرَّكُ في الذمِّ، وتُسكَّنُ في المدحِ، ومن ذلك في تسكينها في المدح قول حسان (١):
لنا القَدَمُ الأُولى إليكَ وخَلْفُنا … لأَوَّلِنا في طَاعَةِ اللَّهِ تابعُ