للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى بذلك جل ثناؤُه: وما كنتَ يا محمدُ عندَ قومِ مريمَ إذ يَخْتَصِمون فيها أيُّهم أحقُّ بها وأَوْلَى. وذلك من الله ﷿ وإن كان خطابًا لنبيِّه ، فتوبيخٌ منه ﷿ للمكذِّبين به مِن أهلِ الكتابَين. يقولُ: كيفَ يَشُكُّ أهل الكفرِ بك منهم وأنت تُنْبِئُهم هذه الأنباءَ ولم تَشْهَدْهم (١)، ولم تكنْ معَهم يومَ فعَلوا هذه الأمورَ، ولستَ ممّن قرَأ الكتبَ فعلِم نبأَهم، ولا جالَس أهلَها فسمِع خبرَهم.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن محمدِ بن جعفرِ بن الزُّبَيْرِ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ أَي: ما كنتَ معَهم إذ يختصِمون فيها. يُخْبِرُه بخفيِّ ما كتَموا منه مِن العلمِ عندَهم؛ لتحقيق نبوَّتِه، والحُجَّةِ عليهم لما يأتيهم به ممّا منه (٢).

القولُ في تأويل قوله: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾.

يعنى بقوله جل ثناؤه: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾: وما كنتَ لديهم إذ يَخْتَصِمون، وما كنتَ لديهم أيضًا إذ قالت الملائكةُ: يا مريم إِنَّ الله يُبشِّرُك. والتبشيرُ: إخبارُ المرء بما يَسُرُّه من خيرٍ.

وقوله: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾. يعنى: برسالةٍ مِن اللهِ وخبرٍ مِن عندِه. وهو مِن قولِ القائل: ألقى فلانٌ إلى كلمةً سرَّني بها. بمعنى: أخبرَني خبرًا فرِحتُ به. كما قال جل ثناؤه: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: ١٧١] يعني: بُشْرَى الله مريمَ بعيسى ألقاها إليها.


(١) في م: "تشهدها".
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٨١، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٥٠ (٣٥١١) من طريق سلمة، عن ابن إسحاق قوله.