للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَؤُمُّ مَن بعدَك مِن أهلِ الإيمانِ بى وبرُسُلى، فتَقَدَّمُهم أنت، ويتَّبعون هَدْيَك، ويَستَنُّون بسُنَّتِك التى تَعْمَلُ بها، بأمرِى إيَّاك ووحْيى إليك.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾.

يعْنى جلَّ ثناؤه بذلك: قال إبراهيمُ -لمَّا رفَع اللهُ منزلتَه وكرَّمه، وأعلَمَه ما هو صانعٌ به، مِن تصييرِه إمامًا في الخيراتِ لمن في عصرِه، ولمن جاء بعدَه مِن ذُرِّيَّته وسائرِ الناسِ غيرِهم، يُهْتَدَى بهدْيِه ويُقْتَدى بأفعالِه وأخلاقِه - يا ربِّ، ومِن ذُرِّيَّتى فاجعلْ أئمةً يُقْتَدَى بهم، كالذى جعَلْتنى إمامًا يُؤْتَمُّ بى ويُقْتَدَى بى. مسألةٌ مِن إبراهيمَ ربَّه سأله إيَّاها.

كما حُدِّثْتُ عن عمَّارٍ، قال: ثنا ابنُ أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال إبراهيمُ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾. يقولُ: واجْعَلْ مِن ذُرِّيَّتى مَن يُؤْتَمُّ ويُقْتَدَى به (١).

وقد زعَم بعضُ الناسِ أن قولَ إبراهيمَ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ مسألةٌ منه ربَّه لعَقِبهِ أن يكونوا على عهدِه ودِينِه، كما قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥]. فأخبَرَ اللهُ جلَّ ثناؤه أن في عَقِبِه الظالمَ المخالفَ له في دِينِه، بقولِه: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.

والظاهرُ مِن التنزيلِ يَدُلُّ على غيرِ الذى قاله صاحبُ هذه المقالةِ؛ لأن قولَ إبراهيمَ صلواتُ اللهِ عليه: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾. في إثرِ قولِ اللهِ له جلَّ ثناؤه: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾. فمعلومٌ أن الذى سأَل إبراهيمُ لذُرِّيَّته لو كان غيرَ الذى أخبَره ربُّه أنه أعطاه إيَّاه، لكان مُبَيَّنًا، ولكنَّ المسألةَ لمَّا كانت ممَّا قد جرَى ذكرُه، اكْتُفِىَ بالذكْرِ الذى قد مضَى مِن تكريرِه وإعادتِه، فقال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾. بمعنى: ومِن


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١١٨ إلى المصنف.