للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : هذا القرآنُ تنزيلٌ مِن الرَّبِّ الذي خلَق الأرضَ والسماواتِ العُلى. والعُلَى: جمعُ عُلْيَا.

واختلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ نصبِ قولِه: ﴿تَنْزِيلًا﴾؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: نُصِبَ ذلك بمعْنَى: أنزَل اللهُ ذلك تنزيلًا.

وقال بعضُ مَن أنكَر ذلك مِن قيلِه: هذا مِن كلامَين، ولكن المعنَى: هو تنزيلٌ.

ثم أَسقَط "هو"، واتَّصَل بالكلامِ الذي قبلَه، فخرَج مِنه، ولم يكُنْ مِن لفظِه.

والقولانِ جميعًا عندى غيرُ خطأ.

وقولُه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: الرحمنُ على عرشِه ارتفَع وعلَا.

وقد بيَّنا معنى "الاستواء" بشواهده فيما مضَى، وذكَرنا اختلافَ المختلِفين فيه، فأغنَى ذلك عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

وللرفعِ في ﴿الرَّحْمَنُ﴾ وجهانِ؛ أحدُهما، بمعنَى قولِه: ﴿تَنْزِيلًا﴾. فيكونُ معنى الكلامِ: نزَّله من خلَق الأرضَ والسماواتِ، نزَّله الرحمنُ الذي على العرشِ استوى. والآخرُ، بقولِه: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؛ لأن في قولِه: ﴿اسْتَوَى﴾. ذِكرًا مِن "الرحمنِ".

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ مِلْكًا له، وهو مُدبِّرُ ذلك كلِّه، ومُصرِّفُ جميعِه.


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٤٥٤.