للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾. قيل له: فلقُ الصبحِ؟ قال: نعم. وقرَأ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ (١) [الأنعام: ٩٦].

وقال آخرون: الفَلَقُ: الخَلْقُ. ومعنى الكلامِ: قلْ أعوذُ بربِّ الخَلْقِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ في قولِه: ﴿الْفَلَقِ﴾. يعنى: الخَلْقِ (٢).

والصوابُ من القولِ في ذلك أنْ يُقالَ: إِنَّ الله جلَّ ثناؤُه أمَر نبيَّه محمدًا أنْ يقولَ: ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾. والفلقُ في كلامِ العربِ فَلَقُ الصبحِ، تقولُ العربُ: هو أَبْيَنُ مِن فَلَقِ الصبحِ، ومِن فَرَقِ الصبحِ (٣). وجائزٌ أن يكونَ في جهنمَ سجنٌ اسمُه فَلَقٌ. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكنْ جلَّ ثناؤُه وضَع دَلالةً على أنه عنَى بقولِه: ﴿بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ بعض ما يُدْعَى الفَلَقَ دونَ بعضٍ، وكان اللهُ تعالى ذكرُه ربَّ كلِّ ما خلَق مِن شيءٍ - وجَب أن يكون معنيًّا به كلُّ ما اسمُه الفَلَقُ، إذ كان ربَّ جميعِ ذلك.

وقال جلَّ ثناؤُه: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾؛ لأنَّه أمَر نبيَّه أنْ يَستعيذَ من شرِّ كلَّ شيءٍ، إذ كان كلُّ ما سواه، فهو ما خَلَق.

وقوله: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾. يقولُ: ومن شَرِّ مُظْلِمٍ إذا دخَل وهجَم علينا بظلامِه.


(١) ينظر تفسير ابن كثير ٨/ ٥٥٤.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم - كما في الإتقان ٢/ ٥٧ - وعزاه السيوطى في الدر المنثور إلى المصنف وابن المنذر.
(٣) ينظر مجمع الأمثال ١/ ٢٠٨، وجمهرة الأمثال ١/ ٢٥٢، والمستقصى ١/ ٣٢.