من بعدِ الضرِّ الذي كانوا فيه فتنةٌ لهم. يعني: بلاءٌ ابتلَيْناهم به، واختبارٌ اختبَرناهم به، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾؛ لجهلِهم وسوءِ رؤياهم، ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ لأيِّ سببٍ أُعْطُوا ذلك.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾. أي: بلاءٌ (١).
يقولُ تعالى ذكرُه: قد قال هذه المقالةَ - يعني قولَهم لنعمةِ اللهِ التي خوَّلهم وهم مشرِكون: أوتيناه على علمٍ عندَنا - ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. يعني: الذين من قبلِ مشركي قُرَيشٍ من الأممِ الخاليةِ لرسلِها؛ تكذيبًا منهم لهم، واستهزاءً بهم.
وقولُه: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. يقولُ: فلم يُغْنِ عنهم حينَ أتاهم بأسُ اللهِ على تكذيبِهم رسلَ اللهِ، واستهزائِهم بهم - ما كانوا يكسبون من الأعمالِ، وذلك عبادتُهم الأوثانَ. يقولُ: لم ينفَعْهم خدمتُهم إياها، ولم تشفَعْ آلهتُهم لهم عندَ اللهِ حينَئذٍ، ولكنها أسلَمَتهم، وتبرَّأَت منهم.
وقولُه: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾. يقولُ: فأصاب الذين قالوا هذه المقالةَ من الأممِ الخاليةِ، وبالُ سيئاتِ ما كسَبوا من الأعمالِ، فعوجِلوا بالخزي في دارِ
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٣٠ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر، وتقدم أوله في الصفحة السابقة.