للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: ولو أن لكلِّ نفسٍ كَفَرت باللَّهِ -وظُلْمُها في هذا الموضعِ: عبادتُها غيرَ مَن [تُستَحَقُّ عبادتُه] (١)، وتركُها طاعةَ من يجب عليها (٢) طاعتُه- ﴿مَا فِي الْأَرْضِ﴾ مِن قليلٍ أو كثيرٍ، ﴿لافتَدَتْ بِهِ﴾. يقول: لافتدت بذلك كلِّه من عذابِ اللهِ إذا عايَنَته.

وقوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾. يقولُ: وأَخْفَتْ رؤساء هؤلاء المشركين مِن وُضَعائِهم وسَفِلَتِهم الندامةَ، حين أبْصَروا عذاب الله قد أحاط بهم، وأيْقَنُوا أنه واقعٌ بهم، ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ﴾. يقولُ: وقَضَى اللَّهُ يومَئِذٍ بينَ الأتباع والرؤساء منهم بالعدل، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾؛ وذلك أنه لا يُعاقِبُ أحدًا منهم إلا بجَرِيرتِه، ولا يأخُذُه (٣) بذنبِ أحدٍ، ولا يُعذِّبُ إلا من قد أعْذَرَ إليه في الدنيا وأَنذَرَ، وتابَعَ عليه الحُججَ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٥)﴾.

يقولُ جلَّ ذكرُه: ألا إن كلَّ ما في السماواتِ وكل ما في الأرضِ مِن شيءٍ للهِ مِلكٌ، لا شيء فيه لأحدٍ سواه. يقولُ: فليس لهذا الكافر بالله يومئذ شيءٌ يملكُه، فيَفْتَدِىَ به من عذاب ربه، وإنما الأشياء كلُّها للذى إليه عقابه، ولو كانت له الأشياء التي هي في الأرضِ ثم افتَدَى بها (٤)، لم يَقْبَلْ منه بدلا من عذابه فيصرِفَ بها عنه العذابَ، فكيف وهو لا شيء له يَفْتدِى به منه، وقد حق عليه عذابُ اللهِ؟ يقولُ اللَّهُ


(١) في م: "يستحق عبادة".
(٢) في ف: "عليه".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، س: "يأخذ".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "به"، وفى م: "بما". وأثبتنا ما يقتضيه الكلام.