للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجلُ إذا أسْرى (١) فنَزَل بعدَه قرآنٌ، تَلاه (٢) نبيُّ الله على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجَعت السَّرِيةُ، قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله : إِن الله أَنزَل بعدكم على نبيِّه قرآنًا. فيُقْرِئونهم، ويُفَقِّهونهم في الدين، وهو قولُه: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾. يقولُ: إذا أقام (٣) رسولُ الله : ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾. يعنى بذلك أنه لا يَنْبغى للمسلمين أن يَنْفِرُوا جميعًا ونبيُّ اللهِ قاعدٌ، ولكن إذا قعَد نبيُّ اللهِ تَسرَّتِ السَّرايا، وقعَد معه عُظمُ الناسِ (٤).

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هؤلاء الذين نفَروا بمؤمنين، ولو كانوا مؤمنين لم يَنْفِرْ جميعُهم، ولكنهم مُنافِقون، ولو كانوا صادِقين أنهم مؤمنون، لنَفَرَ بعضٌ ليَتَفَقَّه في الدين، وليُنْذِرَ قومَه إِذا رَجَعَ إِليهم.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الله بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ، قولَه: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾: فإنها ليست في الجهادِ، ولكنْ لمَّا دَعا رسولُ اللهِ على مُضَرَ بالسنين، أجْدَبَتْ بلادُهم، وكانت القبيلةُ منهم تُقبِلُ بأَسْرِها حتى يَحِلُّوا بالمدينة من الجَهْدِ، ويَعْتَلُّوا بالإسلام وهم كاذبون، فضَيَّقوا على أصحاب النبيِّ وأجْهَدوهم، وأنْزَل الله يُخْبِرُ رسول الله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله الله إلى عشائرهم، وحذَّر قومهم أن يَفْعَلُوا فِعْلهم، فذلك قولُه: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ


(١) في ص: "استرى"، وفى ت ١، ت ٢، س، ف: "اشترى".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "وتلاه".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "قام".
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره ٤/ ١٧٣.