للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ: لا تَأْخُذوا عليه أجرًا. قال: وهو مَكتوبٌ عندَهم في الكتابِ الأولِ: يا بنَ آدمَ، علِّمْ مَجَّانًا كما عُلِّمْتَ مَجّانًا (١).

وقال آخَرون بما حدَّثنى موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: حدَّثنا أسْباطُ، عن السُّدِّىِّ: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾. يَقولُ: لا تَأْخُذوا طَمعًا قليلًا وتَكْتُموا اسمَ اللهِ، فذلك الطَّمَعُ هو الثمنُ (٢).

فتأويلُ الآيةِ إذن: لا تَبِيعوا ما آتيْتُكم مِن العلمِ بكتابى وآياتِه بثمنٍ خَسيسٍ وعَرَضٍ مِن الدنيا قليلٍ. وبيعُهم إياه تركُهم إبانةَ ما في كتابِهم مِن أمرِ محمدٍ للناسِ وأنه مَكتوبٌ فيه أنه النبيُّ الأميُّ الذى يَجِدونه مَكتوبًا عندَهم في التوراةِ والإنجيلِ، بثمنٍ قليلٍ، وهو رِضاهم بالرِّياسةِ على أتْباعِهم مِن أهلِ ملَّتِهم ودينِهم، وأخذِهم الأجرَ ممَّن بيَّنوا له ذلك على ما بيَّنوا له منه.

وإنما قلْنا: معنى ذلك: لا تَبِيعوا؛ لأن مُشْتَرِىَ الثمنِ القليلِ بآياتِ اللهِ بائعٌ الآياتِ بالثمنِ، فكلُّ واحدٍ مِن الثمنِ والمُثَمَّنِ مَبِيعٌ لصاحبِه، وصاحبُه به مُشْتَرٍ (٣).

وأما معنى ذلك على ما تأوَّله أبو العاليةِ: فبيِّنوا للناسِ أمرَ محمدٍ ، ولا تَبْتَغوا عليه منهم أجرًا. فيكونُ حينَئذٍ نهيُه عن أخذِ الأجرِ على تَبْيينِه هو النهىَ عن شراءِ الثمن القليلِ بآياتِه.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ وعز: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)﴾.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٩٧ (٤٤٩) والخطيب في الكفاية ص ١٥٣ من طريق آدم به. وأخرجه ابن على ٣/ ١٠٢٣ - ومن طريقه ابن عساكر فى تاريخه ١٨/ ١٧٩ - ، وأبو نعيم في الحلية ٢/ ٢٢٠، والخطيب ص ١٥٤ من طريق أبي جعفر به نحوه. وأخرجه أبو خيثمة في العلم (٦٨) عن إسحاق بن سليمان الرازى عن أبى جعفر عن الربيع قوله.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٩٧ (٤٥١) من طريق عمرو به.
(٣) في الأصل: "مُشْتَرًى".