وأما قولُه: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾. فإنه يقولُ: أَتُخاصِمُوننى في أسماءٍ سَمَّيتُموها، أصنامًا، لا تضُرُّ ولا تنفعُ، ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾. يقولُ: ما جعَل اللهُ لكم في عبادتِكم إياها مِن حُجَّةٍ تَحْتَجُّون بها، ولا مَعْذِرةٍ تَعْتَذِرون بها؛ لأن العبادةَ إنما هي لَمَن ضَرَّ ونفَع، وأثابَ على الطاعةِ، وعاقبَ على المعصيةِ، ورزَق ومنَع، فأما الجمادُ مِن الحجارةِ والحديدِ والنحاسِ، فإنه لا نفعَ فيه ولا ضَرَّ، إلا أن تَتَّخِذَ منه آلةً، ولا حجةَ لعابدٍ عبَدَه مِن دونِ اللهِ في عبادتِه إيَّاه؛ لأن الله لم يأذَنْ بذلك فيُعذِرَ مَن عبَدَه بأنه يعبُدُه اتباعًا منه أمرَ اللهِ في عبادتِه إياه، ولا هو - إذ كان اللهُ لم يأذَنْ في عبادتِه - مما يُرْجَى نفعُه، أو يُخافُ ضَرُّه، في عاجلٍ أو آجلٍ، فَيُعْبَدَ رجاءَ نَفْعِه، أو دفعَ ضَرِّه، ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾. يقولُ: فانْتَظِروا حكمَ اللهِ فينا وفيكم، إنّى معكم من المُنتظرين حكمَه، وفَضْلَ قضائِه فينا وفيكم.
يقولُ تعالى ذكرُه: فأنْجَينا نوحًا والذين معه مِن أتباعِه على الإيمانِ به، والتصديقِ به وبما دعَا إليه مِن توحيدِ اللَّهِ، وهَجْرِ الآلهةِ والأوثانِ، ﴿بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. يقولُ: وأَهْلَكْنا الذين كَذَّبوا مِن قوم هودٍ بحُجَجنا جميعًا عن آخرِهم، فلم نُبْقِ منهم أحدًا.
كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه:
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٥١١ (٨٦٥٩) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٩٦ إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.