للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم انصرَف إلى البُدْنِ فنحَرها، فذلك حينَ يقولُ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ (١).

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فصلِّ وادْعُ ربَّك وسَلْه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا مِهْرانُ، عن سفيانَ، عن أبى سنانٍ، عن ثابتٍ، عن الضحاكِ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. قال: صلِّ لربِّك وسَلْ (٢).

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ (٣) يتأوَّلُ قولَه: ﴿وَانْحَرْ﴾: واستقبِلِ القبلةَ بنَحْرِك. وذكَر أنه سمِع بعضَ العربِ يقولُ: منازلُهم تَتَناحَرُ. أي: هذا بَنَحْرِ هذا. أي قُبالَتَه. وذكَر أن بعضَ بنى أسدٍ أنشَده:

أبا حَكَم هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجَالدٍ … وسَيِّدُ أَهْلِ الأَبْطَحِ المُتَناحِرِ

أي: يَنْحَرُ بعضُه بعضًا.

وأولى هذه الأقوالِ عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: فاجْعَلْ صلاتَك كلَّها لربِّك خالصًا دونَ ما سِواه مِن الأندادِ والآلهةِ، وكذلك نَحْرُك، اجْعَله له دونَ الأوثانِ، شكرًا له على ما أَعْطاك مِن الكرامةِ والخيرِ الذي لا كُفْءَ له، وخصَّك به، مِن إعطائِه إيَّاك الكوثرَ.

وإنما قلتُ: ذلك أولى الأقوالِ بالصوابِ في ذلك؛ لأنَّ اللَّهَ جلَّ ثناؤُه أخبرَ نبيَّه بما أكرَمه به مِن عَطِيَّتِه وكرامتِه وإنعامِه عليه بالكوثرِ، ثم أَتْبَع ذلك قولَه: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. فكان معلومًا بذلك أنه خصَّه بالصلاةِ له والنَّحْرِ على


(١) عزاه السيوطى في الدر المنثور (٦/ ٤٠٣) إلى المصنف وابن مردويه.
(٢) عزاه السيوطى في الدر المنثور (٦/ ٤٠٣) إلى المصنف وابن أبي حاتم.
(٣) هو الفراء في معاني القرآن (٣/ ٢٩٦).