للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: هنَّ جميعُ أعمالِ الخيرِ. كالذى رُوِى عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ لأن ذلك كلَّه من الصالحاتِ التي تَبْقَى لصاحبِها في الآخرةِ، وعليها يُجازَى ويُثابُ، وأن اللهَ عزَّ ذكرُه لم يخصُصْ من قولِه: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾. بعضًا دونَ بعضٍ في كتابٍ، ولا بخبرٍ عن رسولِ اللهِ .

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك مخصوصٌ بالخبرِ الذى روِّيناه عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ ، فإن ذلك بخلافِ ما ظَنَّ، وذلك أن الخبرَ عن رسولِ اللهِ إنما ورَد بأَنَّ قولَ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ. هنَّ مِن الباقياتِ الصالحاتِ، ولم يقلْ: هُنَّ جميعُ الباقياتِ الصالحاتِ، ولا كُلُّ الباقياتِ الصالحاتِ. وجائزٌ أن تكونَ هذه باقياتٍ صالحاتٍ، وغيرُها من أعمالِ البرِّ -أيضًا- باقياتٍ صالحاتٍ.

القولُ في تأويلِ قوله عزَّ ذكرُه: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ (١) الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٤٧) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (٤٨)﴾.

يقولُ عزَّ ذكرُه: ويوم نُسَيِّرُ (٢) الجبالَ عن الأرضِ، فنَبُسُّها بَسًّا، ونجعَلُها هباءً مُنبَثًّا، ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾: ظاهرةً. وظهورُها لرَأى أعينِ الناظرين من غيرِ شيءٍ يستُرُها من جبلٍ ولا شجَرٍ، هو بُروزُها. وبنحوِ ذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ.


(١) في ت ١، ت ٢: "تسير". وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. ينظر السبعة ص ٣٩٣، والكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٦٤.
(٢) في ت ١، ف: "تسير".