للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾. فإنه يعنِى به: واللهُ لا يحبُّ كُلَّ مُصِرٍّ على كُفرٍ (١)، مُقيمٍ عليه، مُستحلٍّ أكْلَ الرِّبا وإطْعامَه، ﴿أَثِيمٍ﴾: مُتَمَادٍ في الإثِم برَبِّه (٢) فيما نَهاهُ عنه من أكْلِ الرِّبا والحرامِ وغيرِ ذلك من معاصِيه، لا يزجِرُ عن ذلك، ولا يرْعوِى عنه، ولا يتعِظُّ بموعظةِ ربِّه التي وعظَه بها في تنزيلِه وأي كتابِه.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)﴾.

وهذا خبرٌ من اللهِ جلّ ثناؤُه بأنّ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، يعْني: الذين صَدَّقُوا باللهِ وبرسولِه، وبما جاء به مِن عندِ ربِّه (٣)، من تحريم الرِّبا وأكْلِه وغيرِ ذلك من سائرِ شَرائعِ دِينِهِ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الله التي أمَرَهُم اللهُ بها، والتي نَدَبَهم إليها، ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ من المفروضَةَ بحدودِها، وأدَّوها بِسُنَّتِها (٤)، ﴿وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ المفروضةَ عليهم في أموالِهم، بعدَ الذي سلَف منهم من أكْلِ الرِّبا، قبل مَجيءِ الموعظةِ فيه مِن عندِ ربِّهم، ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾، يَعنِي ثوابَ ذلك مِن أعمالِهم وإيمانِهم وصَدَقتِهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يومَ حاجَتِهم إليه في مَعادِهم، ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ يومئذٍ مِن عقابِه على ما كان سلَفَ منهم في جاهِليتِهم وكُفْرِهم، قبلَ مجيئِهم موعظةُ رَبِّهم، من أكلِ ما كانوا أكلوا مِن الرِّبا، بما كان من إنابَتِهم، وتوبَتِهم إلى اللهِ مِن ذلك عندَ مَجِيئِهم الموْعِظَةُ مِن ربِّهم، وتَصْدِيقِهم بوعْدِ اللَّهِ ووَعِيدِه، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على تركِهم ما كانوا تركُوا (٥) في الدنيا، من أكْلِ


(١) بعده في م: "بربه".
(٢) سقط من: م.
(٣) في م: "ربهم".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢: "بسننها".
(٥) بعده في ت ٢: "من ذلك".