للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)﴾.

يقولُ تعالى ذِكره: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ فنقولُ (١) له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ فترَك ذكرَ قولِه: فنقولُ له. اكتفاءً بدلالةِ الكلامِ عليه. وعنَى بقولِه: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ﴾: اقرأ كتابَ عملِك الذي عمِلْتَه في الدنيا، الذي كان كاتبانا (٢) يكتُبانِه، ونُحصيه عليكم، ﴿كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾. يقولُ: حسبُك اليومَ بنفسِك عليك حاسبًا يحسِبُ عليك أعمالَك، فيُحصيها عليك، لا نبتغى عليك شاهدًا غيرَها، ولا نطلبُ عليك محصيًا سواها.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾: سيقرأُ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدنيا (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: من استقامَ على طريقِ الحقِّ فاتَّبَعَه، وذلك دينُ اللَّهِ الذي ابتعَث بهِ نبيَّه محمدًا ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾. يقولُ: فليس ينفَعُ بلزومِه الاستقامةَ، وإيمانِه باللَّهِ ورسولِه غيرَ نفسِه، ﴿وَمَنْ ضَلَّ﴾. يقولُ: ومن جار عن قصدِ السبيلِ، فأخَذ على غيرِ هدًى، وكفَر باللَّهِ وبمحمدٍ وبما جاءَ بهِ من عندِ اللَّهِ منَ الحقِّ - فليس يضُرُّ بضلالِه وجَوْره عن الهُدَى غير نفسِه؛ لأنَّه يُوجِبُ لها بذلك غضَب اللَّهِ وأليمَ عذابِه. وإنما عنَى بقولِه: هو ﴿فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾: فإنَّما


(١) في م: "فيقال".
(٢) في ص، ت ١، ت،٢ ف: "كتابنا".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٦٨ إلى المصنف وابن أبي حاتم.