للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلَف أهلُ العربيةِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ (١): معناه: لا تحبَطُ أعمالُكم. قال: وفيه الجزمُ والرفعُ إذا وُضِعت "لا" مكانَ "أنْ". قال: وهي في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (فتَحْبَطَ أعمالُكم). [وهو دليلٌ على جوازِ الجزمِ.

وقال بعضُ نحويِّي البصرةِ (٢): قال: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾] (٣). أي مخافَةَ أن تحبَطَ أعمالُكم. وقد يقالُ: أَسْنَدَ الحائطَ أن يميلَ.

وقولُه: ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾. يقولُ: وأنتم لا تعلَمون ولا تَدْرُون.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: إن الذين يكُفُّون رفْعَ أصواتِهم عنْدَ رسولِ اللَّهِ. وأصلُ الغَضِّ: الكَفُّ في لينٍ. ومنه غَضُّ البصرِ، وهو كَفُّه عن النَّظَرِ، كما قال جريرٌ (٤):

فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّك من نُمَيْرٍ … فلا كَعْبًا بَلَغْتَ ولا كِلابا

وقولُه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين يغضُّون أصواتَهم عندَ رسولِ اللَّهِ، هم الذين اخْتَبر اللَّهُ قلوبَهم بامتحانِه إيَّاها، فاصْطَفاها وأخْلَصها، ﴿لِلتَّقْوَى﴾. يعني لاتِّقائِه بأداءِ طاعتِه واجتنابِ معاصيه، كما يُمتَحنُ الذهبُ بالنارِ، فيَخْلُصُ جيِّدُها، ويبطُلُ خَبَثُها.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) الفراء في معاني القرآن ٣/ ٧٠.
(٢) ينظر الكتاب ٣/ ٥٣، ١٥٤.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) ديوانه ٢/ ٨٢١.