للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفاصلُ بينَنا، فهَلُمُّوا إلى كتابِ اللهِ وبيانِه الذى بيَّنَ فيه لعبادِه ما اختلَفوا فيه -وهو التوراةُ التى تُقِرُّون جميعًا بأنها من عندِ اللهِ- يَتَّضِحْ لكم فيها المُحِقُّ منا من المُبْطِلِ، وأيُّنا أهلُ الجنةِ وأيُّنا أهلُ النارِ، وأيُّنا على الصوابِ وأيُّنا على الخطأِ.

وإنما أمَر اللهُ نبيَّه أن يَدعوَهم إلى هُدَى اللهِ وبيانِه، لأن فيه تكذيبَ اليهودِ والنصارَى فيما قالوا من أن الجنةَ لن يَدخُلَها إلا من كان هُودًا أو نصارَى، وبيانَ أمرِ محمدٍ ، [وأنه رسولُ اللهِ] (١)، وأن المُكَذِّبَ به هو من أهلِ النارِ دونَ المصدِّقِ به.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٢٠)﴾.

يعنى جلَّ ثناؤُه بذلك (٢): ولئنِ اتَّبعتَ يا محمدُ هَوَى هؤلاءِ اليهودِ والنصارَى، فيما يُرضيهم عنك من تَهَوُّدٍ وتنَصُّرٍ، فصِرْتَ من ذلك إلى رضاهم، ووافقْتَ فيه محبتَهم، من بعدِ الذى جاءَك من العلمِ، بضلالتِهم وكفرِهم بربِّهم، ومن بعدِ الذى اقتصَصْتُ عليك من نبئِهم في هذه السورةِ، ﴿مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾. يعنى بذلك: ليس لك يا محمدُ من ولىٍّ يَلِى أمرَك، وقَيِّمٍ يقومُ به، ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ يَنصُرُك من اللهِ، فيدفَعَ عنك ما ينزِلُ بك منه من عقوبةٍ، ويمنَعُك من ذلك إن أحلَّ بك ذلك ربُّك.

وقد بيَّنَّا معنى "الولىِّ" و"النصيرِ" فيما مضَى قبلُ (٣).

وقد قيل: إن اللهَ تعالى ذكرُه أنزلَ هذه الآيةَ على نبيِّه ؛ لأن اليهودَ والنصارَى دعَتْه إلى أديانِها، وقال كلُّ حزبٍ منهم: إن الهُدَى هو ما نحن عليه،


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في م: "بقوله".
(٣) ينظر ما تقدم ص ٤٠٨.