استعجال المُشركين رسول الله ﷺ بالعذاب، ثم أخبَر عن مَبلَغ قدرِ اليومِ عندَه، ثم أتبَع ذلك قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ فأخبرَ عن إملائِه أهلَ القريةِ الظالمةِ، وتَركِه معاجَلَتَهم بالعذابِ، فبيَّن بذلك أنَّه عنَى بقولِه: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾. نَفى العجلةِ عن نفسِه، ووَصفَها بالأناةِ والانتِظارِ.
وإذا كان ذلك كذلك، كان تأويلُ الكلام: وإن يومًا من الأيام التى عندَ اللهِ يومَ القيامة، يومٌ واحدٌ كألف سنةٍ من عَددِكم، وليس ذلك عندَه ببعيدٍ، وهو عندَكم بعيدٌ، فلذلك لا يَعجَلُ بعقوبة من أراد عقوبته حتى يبلُغَ غاية مدَّتِه.
يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾. يقولُ: أمهَلتُهم، وأخَّرتُ عذابَهم، وهم بالله مُشركون، ولأمرِه مُخالفون، وذلك كان ظُلمهم الذى وصفهم الله به جلَّ ثناؤه، فلم أعْجَلْ بعذابهم، ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهَا﴾، يقولُ: ثم أخَذتُها بالعذاب، فعَذَّبتُها في الدُّنيا بإحلال عُقوبتنا بهم، ﴿وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾. يقولُ: وإلىَّ مصيرُهم أيضًا بعدَ هلاكِهم، فيَلقَون من العذابِ حينئذٍ ما لا انقطاع له. يقولُ تعالى ذكرُه: فكذلك حالُ مُستَعجليكَ بالعذابِ مِن مُشرِكي قومك، وإن أمليتُ لهم إلى آجالهم التى أجَّلتُها لهم، فإني آخِذُهم بالعذاب فقاتلُهم بالسيف، ثم إلىَّ مصيرُهم بعد ذلك فموجعُهم إذن عقوبةً على ما قدَّموا من آثامهم.