للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يُقالَ: رفَع القليلَ بالمعنى الذي دلَّ عليه قولُه: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾. وذلك أن معنى الكلامِ: ولو أنا كتَبنا عليهم أن اقْتُلُوا أنفسَكم، أو اخْرُجُوا من ديارِكم، ما فعَله (١) إلا قليلٌ منهم. فقيل: ما فعَلوه (٢). على الخبرِ عن الذين مضَى ذكرُهم في قولِه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾. ثم استَثْنى القليلَ، فرُفع بالمعنى الذي ذكَرنا؛ إذ كان الفعلُ منفِيًّا عنه.

وهي في مصاحفِ أهلِ الشامِ: (ما فَعَلُوه إلا قليلًا منهم) (٣). وإذا قُرِئ كذلك، فلا مؤونةَ (٤) على قارئِه في إعرابِه؛ لأنه المعروفُ مِن كلامِ العربِ، إذ كان الفعلُ مشغولًا بما فيه مِن (٥) كنايةِ مَن قد جرَى ذكرُه، ثم استَثْنى منهم القليلَ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)﴾.

يَعْنى جلَّ ثناؤُه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يَزْعُمون أنهم آمَنوا بما أُنْزِل إليك، وهم يَتَحاكَمون إلى الطاغوتِ، ويَصُدُّون عنك صُدُودًا، ﴿فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾. يَعْنى: ما يُذَكَّرون به مِن طاعةِ اللهِ، والانتهاءِ إلى أمرِه، ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾. في عاجلِ دنياهم وآجلِ معادِهم، ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾: وأثبتَ لهم في أمورِهم، وأقوَى (٦) لهم عليها (٧). وذلك أن


(١) في الأصل: "فعلوه".
(٢) بعده في الأصل: "على الحكم".
(٣) ينظر المصاحف ص ٤٥. وهى قراءة ابن عامر من السبعة. ينظر حجة القراءات ص ٢٠٦.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مرد به"، وفى س: "يرد".
(٥) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٦) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أقوم".
(٧) في الأصل: "عليهم".