يقولُ تعالى ذكره: إن الذين صدَّقوا اللَّهَ ورسولَه ﴿وَهَاجَرُوا﴾. يعني: هجروا قومهم وعَشيرتَهم ودورَهم - يعني: تركوهم وخرجوا عنهم - وهجَرهم قومُهم وعشيرتُهم ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. يقولُ: بالغُوا في إتعابِ نفوسِهم وإنصابِها في حربِ أعداءِ اللَّهِ من الكفارِ، ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. يقولُ في دينِ اللَّهِ الذي جعَله طريقًا إلى رحمتِه والنجاةِ من عذابِه، ﴿وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا﴾. يقولُ: والذين آوَوْا رسولَ اللَّهِ والمهاجرين معه. يعنى: أنهم جعَلوا لهم مأوىً يَأْوُون إليه، وهو المثوى والمسكنُ. يقولُ: أسكنوهم وجعَلوا لهم من منازلِهم مساكنَ، إذ أخْرَجهم قومُهم من منازلِهم، ﴿وَنَصَرُوا﴾. يقولُ: ونصروهم على أعدائِهم وأعداءِ اللَّهِ من المشركين. ﴿أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾. يقولُ: هاتان الفرقتان يعنى المهاجرين والأنصارَ - بعضُهم أنصارُ بعضٍ، وأعوانٌ على مَن سِواهم من المشركين، وأيديهم واحدةٌ على من كفَر باللهِ، وبعضُهم إخوانٌ لبعضٍ دونَ أقربائِهم الكفارِ.
وقد قيل: إنما عُنى بذلك أن بعضَهم أولى بميراثِ بعضٍ وأن اللَّهَ ورَّث بعضَهم من بعضٍ بالهجرةِ والنُّصرة دونَ القرابةِ والأرحامِ، وأن اللَّهَ نسَخ ذلك بعدُ بقولِه: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥]، [الأحزاب: ٦].
ذكر مَن قال ذلك
حدَّثني المثنى، قال ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ