فإن قال قائلٌ: وكيفَ قيلَ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾. فإن لم يَكُنِ السرابُ شيئًا، فعلامَ أُدْخِلَت الهاءُ في قولِه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ﴾؟
قيل: إنه شيءٌ يُرَى مِن بعيدٍ كالضَّبابِ الذي يُرَى كَثيفًا مِن بعيدٍ، والهَبَاءِ، فإذا قَرُب منه المرءُ رَقَّ وصار كالهواءِ.
وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ معناه: حتى إذا جاء موضعَ السرابِ لم يَجِدِ السرابَ شيئًا. فاكتفى بذكرِ "السرابِ" من ذكرِ موضعِه.
﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾. يقولُ: واللهُ سريعٌ حسابُه؛ لأنه تعالى ذكرُه لا يَحتاجُ إلى عَقْدِ أصابعَ، ولا حفظٍ بقلبٍ، ولكنه عالمٌ بذلك كلِّه، قبلَ أن يَعْمَلَه العبدُ، ومن بعدِ ما عمِله.
وبنحوِ الذي قلنا في معنى ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني عبدُ الأعلى بنُ واصلٍ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ بنُ موسى، قال: أخبَرنا أبو جعفرٍ الرازيُّ، عن الربيعِ بن أنسٍ، عن أبي العاليةِ، عن أبيِّ بن كعبٍ، قال: ثم ضرَب مثلًا آخرَ، فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ﴾. قال: وكذلك الكافرُ يَجِيءُ يومَ القيامةِ، وهو يَحْسَبُ أن له عند اللهِ خيرًا، فلا يَجِدُ، فيُدْخِلُه النارَ (١).
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، عن أبي العاليةِ، عن أُبيِّ بن كعبٍ بنحوِه.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٦١٠ من طريق عبيد الله بن موسى به، وتقدم أوله في ص ٢٩٧.