للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾. يقولُ: وتَذكِيرًا لمَن اتَّقى الله بطاعتِه وأدَّى فرائضَه، واجتنبَ معاصيه، ذكَّرهم بما آتَى موسى وهارونَ من التوراةِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه: آتينا موسى وهارونَ (١): الذِّكْرَ الذي آتيناهما للمُتَّقين الذين يخافون ربَّهم ﴿بِالْغَيْبِ﴾: يعنى في الدُّنيا أن يعاقِبَهم في الآخِرةِ إذا قَدِموا عليه بتَضْييعِهم ما ألزَمَهم مِن فرائضِه، فهم من خَشْيَتِه يحافِظُون على حدودِه وفرائضِه، وهم من الساعةِ التي تقوم فيها القيامةُ مُشْفِقُون حَذِرُون أن تقوم علَيهم، فَيرِدُوا على ربِّهم قد فرَّطوا في الواجبِ عليهم للهِ، فيعاقِبَهم من العقوبةِ بما لا قِبَل لهم به.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠)﴾.

يقولُ جلَّ ثناؤُه: وهذا القرآنُ الذي أنزَلْناه إلى محمدٍ ذِكْرٌ لمَن تذَكَّر به، وعِظَةٌ لمن اتَّعظ به، مباركٌ، أنزَلْناه كما أنزَلْنا التوراةَ إلى موسى وهارونَ ذِكْرًا للمُتّقين - ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾. يقولُ تعالى ذِكْرُه: أفأنتم أيُّها القومُ لهذا الكتابِ الذي أَنْزَلْناه إلى محمدٍ مُنكِرون وتقولون هو ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥]. وإنَّما الذي آتيناه ذلك ذِكْرٌ للمُتَّقين؛ كالذى آتَيْنا موسى وهارونَ ذكرًا للمُتَّقين.

وينحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) بعده في م، ت ١، ت ٣، ف: "الفرقان".