للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حظوظَها مِن رحمةِ اللَّهِ، ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ وبَطَلَ كذبُهم وإفكُهم وفِرْيتُهم على اللَّهِ، بادِّعائِهم له شركاءَ، فَسَلَكَ ما كانوا يَدْعونه إلهًا مِن دونِ اللَّهِ غيرَ مسلكِهم، وأخَذ طريقًا غيرَ طريقِهم، فَضَلَّ عنهم؛ لأنه سَلَكَ بهم إلى جهنمَ، وصارت آلهتُهم عدمًا لا شيءَ؛ لأنها كانت في الدنيا حجارةً أو خشَبًا أو نُحاسًا، أو كان للَّهِ وليًّا، فسَلَكَ به إلى الجنةِ، وذلك أيضًا غيرُ مسلكِهم، وذلك أيضًا ضلالٌ عنهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: حقًّا إن هؤلاء القومَ الذين هذه صفتُهم في الدنيا، في الآخرةِ هم الأخسرون، الذين قد باعوا منازلَهم مِن الجنانِ بمنازلِ أهلِ الجنةِ مِن النارِ، وذلك هو الخسرانُ المبينُ. وقد بَيَّنا فيما مَضَى أن معنى قولِهم: جَرمْتُ. كسبتُ الذنبَ وجرَّمْتُه (١)، وإن العربَ كثر استعمالُها إياه في مواضعِ الأيمانِ، وفي مواضعِ "لا بدَّ"، كقولِهم: لا جَرَمَ أنك ذاهبٌ. بمعنى: "لا بدَّ"، حتى استعملوا ذلك في مواضعِ التحقيقِ، فقالوا: لا جرمَ ليقومنَّ. بمعنى: حقًّا ليقومنَّ، فمعنى الكلامِ: لا مَنْعَ عن أنهم، ولا صَدَّ عن أنهم (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: إن الذين صَدَّقوا اللَّهَ ورسولَه، وعَمِلوا في الدنيا بطاعةِ اللَّهِ، وأَخْبَتوا إلى ربِّهم.


(١) في م: "أجرمته". وينظر لسان العرب (ج ر م). وما تقدم في ٨/ ٤٤، ٤٥.
(٢) ينظر معاني القرآن ٢/ ٨، ٩.