وقد قال بعضُ نحويِّى البصرةِ: إن قولَه: ﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ جرَت مَجْرَى "سفه" إذا كان الفعلُ غيرَ مُتَعَدٍّ، وإنما عدَّاه إلى "نفسِه" و"رأيِه" وأشباهِ ذلك ممَّا هو في المعنى نحوُ "سَفِه"، إذا هو لم يَتَعَدَّ، فأمَّا "غبِن" و"خسِر" فقد يَتَعَدَّى إلى غيرِه، يقال: غبِن خمسين وخسِر خمسين.
القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾.
يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾: ولقد اصطفَيْنا إبراهيمَ. والهاءُ التى في قولِه: ﴿اصْطَفَيْنَاهُ﴾ مِن ذكْرِ إبراهيمَ.
ويعْنى بقولِه: ﴿اصْطَفَيْنَاهُ﴾: اخترْناه، واجْتبيْناه للخُلَّةِ، ولنُصَيِّرَه في الدنيا لمَنْ بعدَه إمامًا. وهذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن أن مَن خالف إبراهيمَ فيما سنَّ لِمَن بعدَه فهو للَّهِ مخالفٌ، وإِعلامٌ منه خلقَه أن مَن خالف ما جاء به محمدٌ ﷺ، فهو لإبراهيمَ مخالفٌ، وذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه أخبرَ أنه اصطفاه لخُلَّتِه، وجعَله للناسِ إمامًا، وأخبرَ أن دينَه كان الحنيفيَّةَ المسلمةَ، ففى ذلك أوضحُ البيانِ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن أن مَن خالفه فهو للَّهِ عدوٌّ، لمخالفتِه الإمامَ الذى نصَبه لعبادِه.
يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: وإن إبراهيمَ في الدارِ الآخرةِ لمن الصالحين، والصالحُ مِن بني آدمَ هو المؤدِّى حقوقَ اللهِ عليه. فأخبرَ تعالى ذكرُه عن إبراهيمَ خليلِه أنه في الدنيا له صَفِىٌّ، وفى الآخرةِ ولىٌّ، وأنه واردٌ مواردَ أوليائِه المُوفِين بعهدِه.