للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا لم يكن بذلك خبرٌ على ما قُلنا، ولا في الآية دليلٌ على ما وصَفْنا، فأَوْلَى الأمور بنا أن نُلْحِقَ تأويلَه بالذي عليه الدَّلالةُ مِن أي السورة، وذلك هو ما وَصَفْنا؛ لأن ما قبلَ هذه الآية من مُبْتَدأ هذه السورة وما بعدَها خبرٌ عنهم، واحْتِجاجٌ مِن اللَّهِ لنبيِّه محمدٍ ، ودليلٌ على بُطول قولِهم في المسيحِ. فالواجبُ أن تكون هي أيضًا مَصْروفةَ المعنَى إلى نحو ما قبلَها ومعنَى ما بعدَها.

فإذ كان الأمرُ على ما وَصَفْنا، فتَأْوِيلُ الآية: قلْ يا محمدُ للوفد من نصارَى نَجْرانَ: إِن كُنتُم تَزْعُمُون أنكم تُحِبُّون الله، وأنكم تُعَظِّمون المسيحَ، وتقولون فيه ما تقولون، حُبًّا منكم ربَّكم، فحَقِّقُوا قولكم الذي تقولونه، إن كُنتم صادقين، باتِّباعكم إيايَ، فإنكم تعلمون أنى للَّهِ رسولٌ إليكم، كما كان عيسى رسولًا إلى من أُرْسِلَ إليه، فإنه إن اتَّبَعتُموني وصدَّقْتُمونى على ما آتَيْتُكم به مِن عندِ اللَّهِ، يَغْفِرُ لكم ذُنوبَكم، فيَصْفحُ لكم عن العقوبة عليها، ويعفو لكم عمَّا مضى منها، فإنه غفورٌ لذنوب عبادِه المؤمنين، رحيمٌ بهم وبغيرهم من خلقه.

القولُ في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: قل يا محمدُ لهؤلاء الوفدِ مِن نصارَى نَجْرانَ: أَطِيعُوا الله والرسول محمدًا، فإنكم قد عَلِمتم يقينًا أنه رسُولِى إلى خلقِي، ابْتَعثتُه بالحقِّ، تَجدونه مكتوبًا عندكم في الإنجيل، فإن تولَّوْا فاستدْبَروا عمَّا دَعوتهم إليه من ذلك وأعْرَضُوا عنه، فأَعْلِمُهم أن اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كفر، بجَحْدِ مَا عَرَف مِن الحَقِّ وأنكره بعدَ علمِه، وأنهم منهم بجُحودِهم نُبُوَّتك وإنكارهم الحقَّ الذي أنت عليه، بعد علمِهم بصِحَّةِ أمرك وحقيقة نُبوَّتِك.