للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: معنى النسيانِ في هذا الموضعِ: التَّرْكُ. وقالوا: معنى الكلامِ: سنُقْرِئُك يا محمدُ فلا تَتْرُكُ العملَ بشيءٍ منه، إلا ما شاءَ اللهُ أن تَتْرُكَ العملَ به، مما نَنْسَخُه.

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يقولُ في ذلك (١): لم يشَأ اللهُ أن يَنْسَى (٢) شيئًا، وهو كقولِه: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٨]، ولا يشاءُ. قال: وأنت قائلٌ في الكلامِ: لأُعطِيَنَّك كلَّ ما سألتَ إلا ما شِئتُ، وإلا أنْ أَشاءَ أنْ أمنعَك. والنِّيَّةُ أنْ لا تمنعَه، ولا تشاءَ شيئًا. قال: وعلى هذا مَجارى الأيمانِ، يُسْتَثْنى فيها، ونيةُ الحالفِ التَّمامُ (٣).

والقولُ الذي هو أَوْلَى بالصوابِ عندى قولُ مَن قال: معنى ذلك: فلا تَنْسَى إلا أن نشاء نحنُ أَنْ نُنْسِيَكَه بنسخِه ورفعِه.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصوابِ؛ لأنَّ ذلك أظهرُ مَعانِيه.

وقولُه: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إِنَّ الله يعلمُ الجهرَ يا محمدُ من عملِك، ما أظهَرْتَه وأعلَنْته، ﴿وَمَا يَخْفَى﴾. يقولُ: وما تُخْفِى (٤) منه فلم تُظْهِرْه مما كَتَمْتَه. يقولُ: هو يعلمُ جميعَ أعمالِك، سرَّها وعلانِيَتَها. يقولُ: فاحْذَرُه أَن يَطَّلِعَ عليك وأنت عاملٌ في حالٍ مِن أحوالِك بغيرِ الذي أَذِن لك به.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)


(١) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٥٦.
(٢) في م، ت،٢ ت ٣: "تنسي".
(٣) في النسخ: "اللمام". والمثبت من مصدر التخريج.
(٤) في م: "يخفى".