للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأشبهُ هذه الأقوال بما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيل، وأولاها بالصواب عندى قولُ من قال: عُنى به التصديقُ بالخَلَفِ مِن الله على نفقته.

وإنما قلتُ: ذلك أولى الأقوال بالصوابِ في ذلك؛ لأنَّ الله جَلَّ ثناؤُه ذكَر قبله مُنْفِقًا أنفَق طالبًا بنفقته الخَلَفَ منها، فكان أولى المعانى به أنْ يكون الذي عَقيبَه الخبرُ عن تصديقِه بوعدِ اللهِ إيَّاه بالخَلَفِ، إذ كانت نفقتُه على الوجْهِ الذي يَرْضاه، مع أنَّ الخبر عن رسول الله بنحو الذي قلنا في ذلك ورَد.

ذكرُ الخبر الواردِ بذلك

حدَّثني الحسينُ (١) بنُ (٢) سلمةَ بن أبي كبشةَ، قال: ثنا عبدُ الملكِ بنُ عمرٍو، قال: ثنا عبَّاد بن راشدٍ، عن قتادةَ، قال: ثنى خُليدٌ العَصَريُّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله : "ما من يوم غرَبت فيه شمسُه، إلا وبجَنْبَيْها ملَكان يُنادِيان، يَسمعُه خَلْقُ اللهِ كلُّهم إلا الثَّقَلين: اللهمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا". وأنزل الله في ذلك في القرآنِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ (٣).


= والأثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣٧٧ عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٥٨ إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(١) في النسخ، وتفسير ابن كثير: "الحسن". وينظر ما تقدم في ١٢/ ١٥٤، ١٥٥.
(٢) في الأصل: "عن".
(٣) المصنف في تهذيب الآثار (٤٤٣ - مسند ابن عباس)، وابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير ٨/ ٤٤١ - من طريق الحسين به، وذكره ابن كثير في تفسيره عن المصنف، وأخرجه الطيالسي (١٠٧٢)، وابن أبي شيبة في مسنده (٣٦)، وعبد بن حميد (٢٠٧)، والمصنف في تهذيب الآثار (٤٤٤، ٤٤٧ - مسند ابن عباس)، وابن حبان (٦٨٦، ٣٣٢٩)، والطبراني في الأوسط (٢٨٩١)، وأبو نعيم في الحلية ١/ ٢٢٦، ٢/ ٢٣٣، والبغوى في شرح السنة (٤٠٤٥). وليس في هذه المصادر ذكر نزول هذه الآيات، إلا عند ابن كثير، وينظر ما تقدم في ١٢/ ١٥٤، ١٥٥.