للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قومٌ قطُّ، أسْوأه عقوبةً في الدنيا، وأشدَّه (١) عذابًا في الآخرة. وقال الحسن: وقتلُ المؤمنِ واللَّهِ أعظم من أكل الحيتان.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاء، قال: كنت جالسًا في المسجدِ، فإذا شيخٌ قد جاءَ وجلسَ الناسُ إليه، فقالوا: هذا من أصحاب عبد الله بن مسعودٍ. فقال: قال ابن مسعود: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ الآية. قال: لما حُرِّمَ عليهم السبتُ كانت الحيتان تأتى يوم السبت وتأمنُ، فتجِيءُ فلا يستطيعونَ أنْ يمسُّوها، وكان إذا ذهَب السبتُ ذهَبتْ، فكانوا يتصيَّدُونَ كما يتصيَّدُ الناسُ، فلمَّا أرادوا أن يَعْدُوا في السبتِ اصْطادُوا، فنهاهم قومٌ من صالحيهم فأبَوا، وكَثرَهم (٢) الفُجَّارُ، فأرادَ الفُجَّارُ قتالَهم، فكان فيهم من لا يشتهون قِتالَه؛ أبو أحدِهم أو أخوه أو قريبُه، فلما نهوهم وأبَوْا، قال الصَّالحون: إِنْ (٣) [أَبَيْتُم، فإنا] (٤) نجعل بيننا وبينكم (٥) حائطًا. ففعَلُوا، فلما فقَدُوا أصواتَهم، قالوا: لو نَظَرْتُم إلى إخوانِكُم ما فعلوا؟ فنظروا فإذا هم قد مُسِخُوا قردةً، يعرفون الكبيرَ بكِبَرِه، والصغيرَ بصِغَرِه، فجعَلوا يبكونَ إليهم، وكان هذا بعدَ موسى (٦).

القولُ في تأويل قوله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكره: فلما ترَكَت الطائفةُ التي اعتدت في السبتِ ما أمرَها الله به


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "أشد".
(٢) كثرهم الفجار: غلبوهم كثرة. ينظر النهاية ٤/ ١٥٢.
(٣) في م: "إنا".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "اسهم وإنا"، وفى م: "نباينهم وإنا". والمثبت من العقوبات.
(٥) في م: "بينهم".
(٦) أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (٢٢٧) من طريق جرير به.