الواحدَ أدَّى عن جنسِه، كما تقولُ العربُ: ما أكثرَ الدرهمَ في أيدى الناسِ! وكذلك قولُه: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ﴾. معناه: وكان الذين كفَروا.
قالوا: فأما إذا ثُنِّى الاسمُ، فلا يُؤَدِّي عن الجنسِ، ولا يُؤَدِّى إلا عن اثنين بأعْيانِهما دونَ الجميعِ ودونَ غيرِهما.
قالوا: وخطأٌ في كلامِ العربِ أن يقالَ: ما أكثرَ الدرهمين في أيدى الناسِ! بمعنى: ما أكثرَ الدراهمَ في أيديهم! قالوا: وذلك أن الدرهمَ إذا ثُنِّي لا يُؤَدِّي في كلامِها إلا عن اثنين بأعْيانِهما. قالوا: وغيرُ مُحالٍ: ما أكثرَ الدرهمَ في أيدى الناسِ!
وما أكثرَ الدراهمَ في أيديهم! لأن الواحد يُؤَدِّي عن الجميعِ.
قالوا: ففى قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾. مع إعلامِه عبادَه أن نعمَه لا تُحْصَى، ومع ما وصَفْناه من أنه غيرُ معقولٍ في كلامِ العربِ أن اثنين يُؤَدِّيان عن الجميعِ - ما يُنْبِئُ عن خطأِ قول من قال: معنى اليدِ في هذا الموضعِ الموضعِ النعمةُ. وصحةِ قولِ مَن قال: إن يدَ اللهِ هي له صفةٌ.
قالوا: وبذلك تَظاهَرَت الأخبارُ عن رسولِ الله ﷺ، وقال به العلماءُ وأهلُ التأويلِ.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: إن هذا الذي أطْلَعناك عليه مِن خَفِيِّ أمورِ هؤلاء اليهودِ مما لا يَعْلَمُه إلا عُلماؤُهم وأحْبارُهم، احتجاجًا عليهم لصحةِ نبوَّتِك، وقطعًا لعُذْرِ قائلٍ منهم أن يقولَ: ما جاءَنا مِن بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ، ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾. يعنى بالطُّغْيانِ العُلُوَّ في إنكارِ ما قد علِموا صحتَه من نبوةِ محمدٍ ﷺ والتَّمادِيَ في ذلك، ﴿وَكُفْرًا﴾. يقولُ: ويَزِيدُهم مع غُلُوِّهم في إنْكارِ ذلك جُجودَهم عظمةَ اللهِ، ووَصْفَهم إياه بغيرِ صفتِه،