للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجارحةٍ كجَوارحِ بني آدمَ. قالوا: وذلك أن اللَّهَ تعالى ذكرُه أخْبَر عن خُصوصِه (١) آدمَ بما خصَّه به مِن خلقِه إياه بيدِه.

قالوا: ولو كان [معنى اليدِ في ذلك النعمةَ ما كان] (٢) لخُصوصِه آدمَ بذلك وجهٌ مفهومٌ؛ إذ كان جميعُ خلقِه مخلوقين بقدرتِه، ومشيئتُه في خلقِه تَعُمُّه، وهو لجميعِهم مالكٌ.

قالوا: وإذ كان تعالى ذكرُه قد خصَّ آدمَ بذكرِه خلقَه إياه بيدِه دونَ غيرِه مِن عبادِه، كان مَعْلومًا أنه إنما خصَّه بذلك لمعنًى به فارَق غيرَه مِن سائر الخلقِ.

قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، بطَل قولُ مَن قال: معنى اليدِ مِن اللَّهِ القوةُ والنعمةُ، أو الملكُ في هذا الموضعِ.

قالوا: وأحْرَى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون: إن يدَ اللَّهِ في قولِه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾. هي نعمتُه. لقيل: بل يدُه مَبْسوطةٌ. ولم يَقُلْ: بل يداه؛ لأن نعمةَ اللَّهِ لا تُحْصَى كثرةً، وبذلك جاء التنزيلُ، يقولُ اللَّهُ تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾. قالوا: ولو كانت نعمَتَيْن كانتا مُحْصاتَيْن.

قالوا: فإن ظنَّ ظانٌّ أن النعمتين بمعنى النِّعَمِ الكثيرةِ، فذلك منه خطأٌ، وذلك أن العربَ قد تُخْرِجُ الجميعَ بلفظِ الواحدِ؛ لأداءِ الواحدِ عن جميعِ جنسِه، وذلك كقولِ اللَّهِ تعالى ذكرُه: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ١، ٢]. وكقولِه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [البلد: ٤]. وقولِه: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥]. قالوا: فلم يُرَدْ بالإنسانِ والكافرِ في هذه الأماكنِ إنسانٌ بعينِه، ولا كافرٌ مُشارٌ إليه حاضرٌ، بل عُنِى به جميعُ الإنسِ وجميعُ الكفارِ، ولكنَّ


(١) في م: "خصوصية" وكذا في المواضع التالية.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.