للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا. ثم قرَأ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، [المائدة: ٤٤، ٤٥، ٤٧].

وأصلُ السُّحْتِ كَلَبُ الجوعِ، يُقالُ منه: فلانٌ مَسْحوتُ المَعِدةِ. إذا كان أَكولًا لا يُلْقَى أبدًا إلا جائعًا. وإنما قيل للرِّشْوةِ: السُّحْتُ. تَشْبيهًا بذلك، كأنّ بالمُسْتَرْشِى مِن الشَّرَةِ إلى (١) أخْذِ ما يُعْطاه مِن ذلك، مثْلَ الذي بالمَسْحوتِ المَعِدةِ مِن الشَّرَهِ إلى الطعامِ. يقالُ منه: سَحَتَه وأَسْحَتَه. لغتان مَحْكِيَّتان عن العربِ، ومنه قولُ الفرزدقِ بن غالبٍ (٢):

وعَضُّ زمانٍ يابنَ مَرْوانَ لم يَدَعْ … مِن المالِ إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّفُ (٣)

يعنى بالمسحَتِ الذي قد اسْتَأْصَله هَلاكًا بأكْلِه إياه وإفْسادِه. ومنه قولُه تعالى: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١]. وتقولُ العربُ للحالقِ: أسْحِتِ الشعرَ. أي: اسْتَأْصِلْه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾: إن جاء هؤلاء القومُ الآخَرون الذين لم يَأْتُوك بعدُ، وهم قومُ المرأةِ البَغِيَّةِ، مُحْتَكِمين


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "الذي".
(٢) ديوانه ص ٥٥٦.
(٣) في الديوان: "مجرف". والمجلف والمجرف الذي ذهب ماله، والمجلف أيضًا: الذي أخذ من جوانبه. ينظر اللسان (ج ر ف، ج ل ف).