للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾. يقولُ: حينَ قال لقومِه مِن سَدُومَ (١)، وإليهم كان أُرْسِل لوطٌ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾. وكانت فاحشتُهم التي كانوا يَأْتُونها، التي عاقَبَهم اللهُ عليها إتيانَ الذُّكْرانِ، ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾. يقولُ: ما سبَقَكم بفعلِ هذه الفاحشةِ أحدٌ مِن العالَمين.

وذلك كالذى حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا إسماعيلُ ابن عُليةَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عمرِو بن دينارٍ قولَه: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾. قال: ما نَزَا (٢) ذَكَرٌ على ذَكَرٍ، حتى كان قومُ لوطٍ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)﴾.

يُخْبِرُ بذلك جلَّ ثناؤُه عن لوطٍ أنه قال لقومِه؛ توبيخًا منه لهم على فعلِهم: إنكم أيُّها القومُ لَتَأْتُون الرجالَ في أدبارهم شهوةً منكم لذلك مِن دونِ الذي أباحه اللهُ لكم وأحَلَّه مِن النساءِ، ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾. يقولُ: إنكم لَقومٌ تَأْتُون ما حرَّم اللهُ عليكم، وتَعْصُونه بفعلِكم هذا. وذلك هو الإسرافُ في هذا الموضعِ.

والشهوةُ الفَعْلةُ، وهى مصدرٌ مِن قولِ القائل: شَهِيتُ هذا الشيءَ أشْهاه شَهوةً. ومِن ذلك قولُ الشاعرِ (٤):

وأشْعَثَ يَشْهَى النومَ قلتُ له ارْتَحِلْ … إذا ما النجومُ أَعْرَضَتْ واسْبَطَرَّتِ (٥)


(١) سَدُوم: بلدة من أعمال حلب. معجم البلدان ٣/ ٥٩.
(٢) في ص، ت ١، س، ف: "نرى"، وفي م: "رؤى".
(٣) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٢٩٥، وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهى (١٥٩) - ومن طريقه البيهقي في الشعب (٥٤٠٠)، وابن عساكر في تاريخه ٥٠/ ٣١٩ - والآجرى في تحريم اللواط (١) من طريق إسماعيل ابن علية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٠٠ إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(٤) هو الحطيئة، والبيتان في ديوانه ص ٣٤١.
(٥) اسبطرت: امتدت. تاج العروس (سَبْطَرَ).