للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن كلَّ ذلك منصوبٌ على المصدرِ، من معنى الكلامِ الذي قبلَه؛ لأن في كلِّ ما قبلَ المصادرِ - التي هي مُخالفةٌ ألفاظُها الفاظَ ما قبلها مِن الكلامِ - معانيَ ألفاظِ المصادرِ، وإن خالَفها في اللفظِ، فنصبُها مِن معاني ما قبلَها دونَ ألفاظِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)﴾.

يعنى بذلك تعالى ذكرُه: ومَن يُرِدْ منكم أيُّها الناسُ (١) بعملِه جزاءً منه، بعضَ أعراضِ الدنيا، دونَ ما عند اللهِ جل وعز مِن الكرامةِ لمَن ابتغَى بعملِه ما عندَه، ﴿نُؤْتِهِ﴾. يقولُ: نُعْطِه ﴿مِنْهَا﴾. يعني: من الدنيا، يعني أنه يُعْطِيه منها ما قُسِم له منها مِن رزقِ اللهِ (٢) أيام حياته، ثم لا نَصيبَ له في كَرامَةِ اللهِ التي أعَدَّها لمَن أطاعَه وطلَب ما عندَه في الآخرةِ. ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾. يقولُ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ﴾ منكم بعملِه جزاءً منه ﴿ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾. يعنى: ما عندَ اللهِ مِن كرامتِه التي أعَدَّها للعامِلِين له في الآخرةِ ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾. يقولُ: نُعْطِه ﴿مِنْهَا﴾ يعنى: مِن الآخرةِ، والمعنى: مِن كرامةِ اللهِ التي خصَّ بها أهلَ طاعتِه في الآخرةِ، فخرَج الكلامُ على الدنيا والآخِرةِ، والمعنى: ما فيهما، كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، أيْ: فمَن كان منكم يُرِيدُ الدنيا، ليست له رغبة في الآخرة، نُؤْتِه ما قُسِم له منها مِن رِزقٍ، ولا حظَّ له في الآخرةِ، ومَن يُرِدْ ثوابَ الآخرةِ نُؤْتِه منها ما وعَدَه، مع ما يُجْرَى عليه مِن رزقِه في دنياه (٣).


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "المؤمنون"
(٢) سقط لفظ الجلالة من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ١١١، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٧٩ (٤٢٧٢) من طريق سلمة به.