للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في ذلك بعضُ أهل العربيةِ من أهلِ البصرةِ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ [وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾. أى: لا يُعجِزُوننا مع ذلك، ما أنتم بمعجزين في الأرضِ] (١)، ولَا مَنْ فِي السماءِ مُعْجِزِين. قال: وهو مِن غامضِ العربيةِ؛ للضميرِ الذي لم يظهَرْ فى الثانى. قال: ومثلُه قولُ حسانَ بنِ ثابتٍ (٢):

أَمَنْ يَهْجُو رسولَ اللهِ مِنْكُمْ … ويَمْدَحُه ويَنْصُرُه سَوَاءُ

أراد: ومَن ينصُرُه ويمدَحُه. فأضمَر (مَنْ). قال: وقد يقعُ في وَهْمِ السامعِ أن النصرَ والمدحَ [لـ"مَن"] (٣) هذه الظاهرةِ، ومثلُه فى الكلامِ: أكرِمْ مَن أتاك وأتَى أباك، وأكرِمْ مَن أتاك ولم يأتِ زيدًا. تريدُ: ومن لم يأتِ زيدًا. فيَكْتَفى باخْتلافِ الأفعالِ مِن إعادةِ "مَن"، كأنه قال: أمَنْ يَهْجُو، ومَن يمدَحُه، ومَن يَنصُرُه. ومنه قولُ اللهِ ﷿: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠].

وهذا القولُ (٤) أصحُّ عندى فى المعنى من القولِ الآخَرِ. ولو قال قائلٌ (٥): معناه: ولا أنتم بمُعْجزين في الأرضِ، ولا أنتم لو كنتُم في السماءِ بمُعْجزِين. كان مذهبًا.

وقولُه: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾. يقولُ: وما كان لكم أيُّها الناسُ مِن دونِ اللهِ مِن ولىٍّ يَلى أمورَكم، ولا نصيرٍ ينصُرُكم مِن اللهِ، إن أرادَ بكم سُوءًا، ولا يمنعُكم (٦) منه إن أحلَّ بكم عقوبتَه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ


(١) سقط من: م، ت ١. وسقط من الكلام قول بعض أهل العربية من أهل البصرة، وهو الأخفش كما في تهذيب اللغة ١/ ٣٤٠، قال: معناه: ما أنتم بمعجزين فى الأرض ولا في السماء. أي: لا تعجزوننا هربا في الأرض ولا في السماء. وما سيذكره المصنف بعده هو قول الفراء إمام أهل الكوفة في معاني القرآن ٢/ ٣١٥.
(٢) ديوانه ص ٧٦.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "أعنى".
(٤) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "الآخر".
(٥) وهو قول أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. ينظر تهذيب اللغة ١/ ٣٤٠.
(٦) في ت ٢: "ينفعكم".