للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لو كانوا لا يُقِرُّون بأن لهم ربًّا يَقْدِرُ على تعذيبِهم، ما قالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾، بل كانوا يقولون: إنْ هذا الذي جئتَنا به يا هودُ إلا خَلْقُ الأَوَّلين، وما لنا مِن مُعَذِّبٍ يُعذِّبُنا. ولكنهم كانوا مُقِرِّين بالصانعِ، ويعبُدون الآلهةَ على نحوِ ما كان مُشركو العرب يَعْبُدونها، ويقولون: إنها تُقَرِّبُنا إلى اللهِ زُلْفَى. فلذلك قالوا لهودٍ وهم منكرون نُبُوَّتَه: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ ثم قالوا له: ما هذا الذي نفعلُه إلا عادةُ مَن قَبْلَنا وأخلاقُهم، وما اللهُ مُعَذِّبَنا عليه. كما أخبَرنا تعالى ذكرُه عن الأممِ الخاليةِ قبلَنا أنهم كانوا يقولون لرُسُلِهِم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمِّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣].

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فكذَّبَت عادٌ رسولَ ربِّهم هُودًا. والهاءُ في قولِه: ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ مِن ذكرِ هودٍ ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾. يقولُ: فَأَهْلَكْنا عادًا بتكْذيبِهم رسولَنا، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إِنَّ فِي إِهْلاكِنا عادًا بتكذيبِها رسولَها، لعبرةً وعظةً (١) لقومِك يا محمدُ، المُكَذِّبِيك فيما أتيتَهم به مِن عندِ ربِّك، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ: وما كان أكثرُ مَن أهْلَكنا، بالذين يؤمِنون في سابقِ علمِ اللهِ،

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ في انتقامِه مِن أعدائِه، ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين به.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ


(١) في م: "موعظة".