للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظُّلُماتِ مَثَلًا لأعمالِهم، والبحرَ اللُّجِّيَّ مثَلًا لقلبِ الكافِرِ، يقولُ: عَمَلُه (١) بنِيَّةِ قلبٍ قد غمَره الجهلُ، وتَغَشَّتْه الضلالةُ والحَيْرةُ، كما يَغْشَى هذا البحرَ اللُّجيَّ موجٌ مِن فوقِه موجٌ مِن فوقِه سَحابٌ. فكذلك قلبُ هذا الكافرِ الذي مثَلُ عملِه مثَلُ هذه الظلماتِ، يَغْشاه الجهلُ باللهِ، بأن الله ختَم عليه، فلا يَعْقِلُ عن اللهِ، وعلى سمعِه، فلا يَسْمَعُ مواعظَ اللهِ، وجعَل على بصرِه غِشاوةً، فلا يُبْصِرُ به حُجَجَ اللهِ، فتلك ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنا أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾ إلى قولِه: ﴿مِنْ نُورٍ﴾. قال: يعني بالظلماتِ الأعمالَ، وبالبحرِ اللجيِّ قلبَ الإنسانِ. قال: ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾. قال: ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾: يعنى بذلك الغِشاوةَ التي على القلبِ والسمعِ والبصرِ، وهو كقولِه: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ الآية [البقرة: ٧]. وكقولِه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ إلى قولِه: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (٢) [الجاثية: ٢٣].

حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾: عميقٍ، وهو مَثَلٌ ضرَبه اللهُ للكافِرِ يَعْمَلُ في


(١) في م: "عمل".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٦١٣، ٢٦١٤ عن محمد بن سعد به.