للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ: أما قولُه: ﴿وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا﴾. فالموتُ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨)﴾.

وهذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عما هو قائلٌ لهؤلاء الذين يَحْشُرُهم يومَ القيامةِ، مِن العادلين به في الدنيا الأوثانَ، ولقُرَنائِهم من الجنِّ. فأَخْرَج الخبرَ عما هو كائنٌ مُخْرَجَ الخبرِ عما كان؛ لتقدُّمِ الكلامِ قبلَه بمعناه والمرادِ منه، فقال: قال اللهُ لأولياءِ الجنِّ مِن الإنسِ، الذين قد تقدَّم خبرُه عنهم: ﴿النَّارُ مَثْوَاكُمْ﴾. يعني: نارُ جهَنَّمَ، ﴿مَثْوَاكُمْ﴾: الذي تَثْوُون فيه، أي: تُقِيمون فيه.

والمَثْوَى هو المَفْعَلُ، مِن قولِهم: ثَوَى فلانٌ بمكانِ كذا. إذا أقام فيه.

﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾. يقولُ: لابثين فيها، ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾. يعني: إلا ما شاء اللهُ مِن قَدْرِ مُدَّةِ ما بينَ مَبْعَثِهِم مِن قبورِهم إلى مصيرِهم إلى جهنمَ، فتلك المدةُ التي اسْتَثْناها اللهُ مِن خلودِهم في النارِ، ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ﴾ في تدبيرِه في خلقِه، وفي تصريفِه إياهم في مشيئتِه من حالٍ إلى حالٍ، وغيرِ ذلك مِن أفعالِه، ﴿عَلِيمٌ﴾ بعَواقبِ تدبيرِه إياهم، وما إليه صائرةُ (٢) أمرِهم مِن خيرٍ وشرٍّ.

ورُوِي عن ابنِ عباسٍ أنه كان يَتَأَوَّلُ في هذا الاستثناءِ أن اللهَ جَعَل أَمْرَ هؤلاء القومِ في مَبْلَغِ عذابِه إياهم إلى مشيئتِه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ الله بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٨٨ عقب الأثر (٧٨٩٦) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به.
(٢) في م: "صائر" والمراد بالصائرة العاقبة والمآل، من الصائرة، وهو ما يصير إليه النبات من اليُبْس. ينظر اللسان (ص ي ر).