للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما ذكَر اللهُ جل ثناؤُه فيما ذكَر للذين اتَّقَوْا عندَه مِن الخيرِ رِضْوانَه؛ لأن رِضْوانَه أعلى منازلِ كرامةِ أهلِ الجنةِ.

كما حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثني أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن محمدِ بن المُنكَدِرِ، عن جابرِ بن عبدِ اللهِ، قال: إذا دخَل أهلُ الجنةِ الجنةَ، قال اللَّهُ ﵎: أُعْطِيكم أفضلَ مِن هذا؟ فيقولون: أَيْ ربَّنَا، أَيُّ شيءٍ أَفضلُ مِن هذا؟ قال: رِضْوانِي (١).

وقولُه: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾. يعنى بذلك: واللهُ ذو بصرٍ بالذي يَتَّقِيه مِن عبادِه، فيَخافُه فيُطِيعُه، ويُؤْثِرُ ما عندَه، مما ذكَر أنه أعَدَّه للذين اتَّقَوْه على حُبِّ ما زُيِّن له في عاجلِ الدنيا مِن شَهَواتِ النساءِ والبنينَ وسائرِ ما عدَّد منها تعالى ذِكرُه، وبالذى لا يَتَّقِيه فيَخافُه، ولكنه يَعْصِيه ويُطِيعُ الشيطانَ، ويُؤْثِرُ ما زُيِّن له في الدنيا مِن حُبِّ شهوةِ النساءِ والبنينَ والأموالِ، على ما عندَه مِن النَّعيمِ المُقيمِ، عالمٌ تعالى ذِكرُه بكلِّ فريقٍ منهم، حتى يُجازِىَ كلَّهم عندَ مَعادِهم إليه جزَاءَهم؛ المحسنَ بإحسانِه، والمسيءَ بإساءتِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦)﴾.

ومعنى ذلك: قلْ هل أُنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم؟ للذين اتَّقَوْا يقولون: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

وقد يَحْتَمِلُ (٢) ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ وجْهين مِن الإعرابِ؛ الخفضُ على الردِّ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٦١٣) (٣٢٨٧) من طريق سفيان به بنحوه، ومن طريقه مرفوعا أخرجه ابن حبان (٢٦٤٧ - موارد)، والحاكم (١/ ٨٢، ٨٣) بنحوه.
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "المعنى كذلك".