للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذُكِر عن بعضِ القرأةِ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (وَمَنْ يَرِدْ فِيهِ) بفتح الياءِ (١)، بمعنى: ومن يَرِدْه بالحادٍ. من: وَرَدْتُ المكانَ أَرِدُه. وذلك قراءةٌ لا تَجُوزُ القراءةُ عندى بها؛ لخلافِها ما عليه الحجةُ مِن القرأةِ مجمعةٌ، مع بُعدِها مِن فصيحِ كلامِ العربِ، وذلك أنَّ "يَرِدْ" فعلٌ واقعٌ، يقالُ منه: هو يَرِدُ مكانَ كذا، أو بلدةَ كذا، غدًا. ولا يقالُ: يَرِدُ في مكانِ كذا.

وقد زعَم بعضُ أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ أن طَيِّئًا تقولُ: رغِبتُ فيك. تريدُ: رَغِبتُ بك. وذَكر أنَّ بعضَهم أَنشَده بيتًا له (٢):

وأَرْغَبُ فيها عن لَقِيطٍ ورَهْطِه … ولَكنني عن سِنْبِسٍ لستُ أرغبُ

بمعنى: وأرغبُ بها. فإن كان ذلك صحيحا كما ذكرنا، فإنه يجوزُ في الكلامِ، فأما القراءةُ به فغيرُ جائزةٍ؛ لِما وصفتُ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ، مُعْلِمَه عظيمَ ما ركِب قومُه مِن قُرَيشٍ خاصَّةً دونَ غيرِهم مِن سائرِ خَلْقِه، بعبادتِهم في حَرَمِه والبيتِ الذي أَمَر إبراهيمَ خَليلَه ببنائِه وتطهيرِه مِن الآفاتِ والرِّيَبِ والشركِ: واذكُرْ يا محمدُ كيف ابْتَدَأْنا هذا البيتَ الذي يَعْبُدُ قومُك فيه غيرى، إذ بوَّأْنا لخليلِنا إبراهيمَ. يعنى بقولِه: ﴿بَوَّأْنَا﴾: وَطَّأْنا له مكانَ البيتِ.

كما حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ قولَه: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾. قال: وضَع اللَّهُ البيتَ مع آدمَ حينَ أَهْبَط آدمَ إلى الأرضِ، وكان مَهْبِطُه بأرضِ الهندِ، وكان رأسُه في


(١) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٢٣، والبحر المحيط ٦/ ٣٦٣.
(٢) سقط من: م، والبيت تقدم في ١٣/ ٦٠٨.