للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للشيطانِ (١).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بن الحارثِ، عن إياسِ بن مُعاويةَ المَدَنيِّ، أنه كان إذا ذُكِر عندَه يُونُسُ وقولُه: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾. يقولُ إياسٌ: فلِمَ فَرَّ؟

وقال آخرون: بل ذلك بمعنى الاستفهامِ، وإنما تأويلُه: أفظَنَّ أَن لن نَقْدِرَ عليه؟

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾. قال: هذا استفهامٌ. وفى قوله: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾. قال: استفهامٌ أيضًا (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوالِ في تأويلِ ذلك عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: عُنِى به: فظنَّ يونُسُ أن لن نَحْبسَه ونُضَيِّقَ عليه، عقوبةً له على مُغاضبتِه ربَّه.

وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويلِ الكلمةِ؛ لأنه لا يَجوزُ أَن يُنْسَبَ إلى الكفرِ وقد اخْتارَه لنبوتِه، ووصفُه بأن ظنَّ أن ربَّه يَعْجِزُ عما أراد به، ولا يَقْدِرُ عليه، وصفٌ له بأنه جهِل قدرةَ اللَّهِ، وذلك وصفٌ له بالكفرِ، وغيرُ جائزٍ لأحدٍ وصفُه بذلك.

وأما ما قاله ابن زيدٍ، فإنه قولٌ، لو كان في الكلامِ دليلٌ على أنه استفهامٌ - حسنٌ، ولكنه لا دلالةَ فيه على أن ذلك كذلك، والعربُ لا تَحْذِفُ لا تَحْذِفُ مِن الكلامِ شيئًا (٣) إليه حاجةٌ إلا وقد أبْقَت دليلًا على أنه مرادٌ في الكلامِ، فإذ لم يكنْ في قولِه:


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣٣٣ إلى أحمد في الزهد وابن المنذر وعبد بن حميد.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٥/ ٣٥١.
(٣) بعده في ص، ت ١، ف: "له"، وبعده في م: "لهم".