للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندَنا: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ﴾ و (بَعِّدْ)؛ لأنهما القراءتان المعروفتان في قرَأةِ الأمصارِ (١)، وما عداهما فغيرُ معروفٍ فيهم، على أن التأويلَ من أهلِ التأويلِ أيضًا يُحَقِّقُ قراءةَ من قرَأه على وجهِ الدعاءِ والمسألةِ، وذلك أيضًا مما يزيدُ القراءةَ الأخرى بُعدًا من الصوابِ.

فإذا كان ذلك كذلك وهو الصوابُ من القراءةِ، فتأويلُ الكلامِ: فقالوا: يا ربَّنا، باعدْ بينَ أسفارِنا، فاجعَلْ بينَنا وبينَ الشامِ فَلَواتٍ ومفاوزَ؛ لنَرْكَبَ فيها الرواحلَ، ونتَزَوَّدَ معنا فيها الأزوادَ. وهذا من الدَّلالةِ على بَطَرِ القومِ نعمةَ اللهِ عليهم وإحسانَه إليهم، وجهلِهم بمقدارِ العافيةِ، ولقد عجَّل لهم ربُّهم الإجابةَ، كما عجَّل للقائلين: ﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]: أعطاهم ما رغِبوا إليه فيه وطلَبوا من المسألةِ.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو حُصَينٍ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بن يونسَ، قال: ثنا عَبْثَرٌ، قال: ثنا حُصَينٌ، عن أبي مالكٍ في هذه الآيةِ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾. قال: كانت لهم قُرًى متصلةٌ باليمنِ، كان بعضُها يَنْظُرُ إلى بعضٍ، فبَطِروا ذلك وقالوا: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾. قال: فأرسَلَ اللهُ عليهم سيلَ العرمِ، وجعَل طعامَهم أَثْلًا وخَمْطًا وشيئًا من سدرٍ قليل (٢).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن


(١) القراءات كلها صواب.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٦/ ٤٩٦ بنحوه.